تنبع من مغارة محفورة بالصخر، حيث تتدفق مياهها منذ ثلاثة آلاف سنة في نفس المكان وبنفس الغزارة والنقاوة، لتمنع متناوليها من الإصابة بأي مرض، واليوم خفت الحركة باتجاهها بعد أن كانت مقصداً للزوار والسياح والرحالة.
إنها قرية "عين بسنادا" الموزعة بين هضبتين على ارتفاع يقرب من 100 متر عن سطح البحر، والتي يمكن الوصول إليها من عدة طرق سواء من قلب مدينة اللاذقية أو من خارجها.
"في "بسنادا" توجد عين ماء متميزة بنقائها وطيب مائها تنبع من مغارة محفورة بالصخر"، ويؤكد الأهالي أن مياه العين ونقاؤها سبب في عدم إصابتهم سابقاً بأي من أمراض الكلية أو القلب أو غيرها من الأمراض المرتبطة بمياه الشرب
أما "عين بسنادا" فهي الدليل الحي على استمرار الحياة في تلك القرية منذ العهد الروماني البيزنطي ولربما قبل ذلك، ولكن التوثيق الأثري يتوقف عند تلك المرحلة، وقد ذكرت هذه العين في التاريخ عدة مرات كأحد معالم بسنادا، وهنا يقول السيد "علي زمار" أحد سكان القرية المهتمين بالعين "لمدونة وطن" eSyria التي التقته بتاريخ 3/12/2013: «في قلب القرية وساحتها الرئيسة تقع العين بين هضبتين يتدفق منها الماء كما كان يتدفق قبل آلاف السنوات وبعمق 7 أمتار تحت مستوى سطح الأرض ومن تجاويف صخرية يزيد امتدادها الأفقي على خمسة أمتار، وتتوزع بعد أن تملأ حوضاً مساحته أكثر من ثمانية أمتار مربعة وبعمق مترين على ثلاث قنوات مخفية وقيل خمس تظهر مخارجها على أبعاد مختلفة من مركز العين نفسها، ونصل إلى العين عبر درج مؤلف من (12 درجة) حيث يتلقى الحوض الماء من التجاويف الصخرية المحيطة».
يتابع: «وقد بنيت نصف قبة من الحجر النحيت فوق العين منذ زمن بعيد ويبدو من هندستها أنها مختلطة بين الأوغاريتي والروماني والبيزنطي وهو الطابع الغالب عليها حالياً، والذي اتضح أكثر بعد ترميمها جزئياً من قبل مديرية آثار اللاذقية العام قبل الماضي بمبلغ تجاوز مليون ليرة سورية، ولكن دون عودة العين لتقديم مياه الشرب إلى العابرين وأهل القرية بسبب عدم اكتمال تعزيلها هي والقنوات التابعة لها وركود المياه، حيث كانت هذه العين تغذي ذات زمان جزءاً من مدينة اللاذقية أواسط الأربعينات».
أما عن سبب تسمية القرية فيضيف: «هذه القرية الموغلة في قدم التاريخ يعني اسمها بالسريانية "بيت السند" أو القوة أو الدعم كما يذكر المطران "متى روهم" مطران الجزيرة للسريان الأرثوذكس في المجلة البطريركية، فحرف الباء من كلمة بيت beit، والجزء المتبقي snada من السريانية أي السند والدعم، ولا تزال كثير من معالمها الأثرية مدفونة تحت البيوت والطرقات والأراضي الزراعية ويندر أن تبحث في مكان في تلك الجهات ولا تجد سوية أثرية ما».
يذكر مدير آثار اللاذقية الدكتور"جمال حيدر" في حديثه عن "آثار اللاذقية" قول أحد الرحالة الأجانب من القرن الثامن عشر عن العين: «"في "بسنادا" توجد عين ماء متميزة بنقائها وطيب مائها تنبع من مغارة محفورة بالصخر"، ويؤكد الأهالي أن مياه العين ونقاؤها سبب في عدم إصابتهم سابقاً بأي من أمراض الكلية أو القلب أو غيرها من الأمراض المرتبطة بمياه الشرب».
السيد "حسن نعيسة" أحد سكان القرية ومنزله يجاور العين ومن المشاركين دائماً في حماية وتعزيل القناة ذكر: «تعزيل القناة الرئيسية كان بمثابة عرس موسمي يقوم فيه الأهالي بتعزيل القناة مما علق بها، فيدخل بعض الأطفال في مجرى القناة ويقومون بتعزيلها مما علق بها من ورق وأعواد وأغصان شجر، إلا أن البلدية قد أغلقت نهاياتها مما جعل من المتعذر تعزيلها دون إزالة تلك العوائق مرة ثانية».
للعين كما يقول السيد "مجتبى غانم": «ثلاث قنوات تنتهي الأولى بنهاية النفق الخارج من العين غرباً في مكان قريب يبعد بضع عشرات من الأمتار، وتنتهي القناة الثانية في عين ماء اسمها عين شورب أو عين المجنونة وسبب التسمية عائد لقوة تدفق المياه منها، وتنتهي القناة الثالثة في مكان يبعد عن العين أكثر من 1 كم ويدعى "صلولين"، وعلى ما يظهر فإنه كان هناك نظام للري والشرب مركزه في تلك العين ويمتد على اتجاهات ثلاثة شمال ـ غرب ـ جنوب، يؤكد هذا الأمر انخفاض مناسيب الينابيع بعد انسداد تصريف العين الرئيسية».
وكعادة السوريين عبر التاريخ فإن لكل مكان إله أو ولي يحميه، ويحمي هذه العين "الخضر" عليه السلام، حيث وضعت تشريفة له قرب العين مباشرة، وهنا يضيف: «إن وجود هذه التشريفة قد حمى العين من عبث العابثين على مر التاريخ، ويقال إن وجود التشريفة قرب النبع قديم منذ مئات السنين حيث توارد ذكرها في المرويات الشعبية لكبار السن.
ولقد جرت عدة محاولات للوصول إلى النبع الرئيسي للعين، فدخل بعض الأشخاص من فتحة العين إلا أنهم لم يصلوا إلى النبع لعمقه الشديد المتوغل في تجاويف صخرية داخلية عميقة، كما يذكر أن الجنرال الفرنسي الشهير "شارل ديغول" شرب من ماء هذه العين وأعجب بها خلال زيارته للاذقية منتصف أربعينيات القرن الماضي.
لقد سجلت عين بسنادا تاريخها وتاريخ الاستيطان البشري فيها عبر حياتها الطويلة الممتدة لأكثر من خمسة آلاف عام خلت، والمطلوب اليوم إعادة تأهيل هذه العين بحيث يتمكن الأهالي من استخدامها مرة ثانية».