هو باحث وناقد ومترجم سوري متعدد الاهتمامات، إلا أن اهتمامه الأساسي ينصب في مجال النقد الأدبي، لأن ذلك يتوافق مع ميوله الفنية والفلسفية ودراسات علم النفس التي يتطلبها العمل في مجال النقد.
مدونة وطن eSyria التقت الناقد والمترجم "حمد عرنوس" بتاريخ 16/4/2013 وكان الحوار التالي:
لا شك أن الأستاذ "حمد عرنوس" يشكل إضافة جديدة للثقافة السورية باعتباره يمتلك العديد من اللغات منها التشيكية، حيث ترجم أشعاراً لعدد من الشعراء غير المعروفين لنا، وقد نشرت هذه الترجمات في مجلة الآداب العالمية، وساهم في بث الروح في كلماتها وكأن الشاعر بات قريباً للعربية من خلال الثقافة التي يمتلكها المترجم، وتمتعه بحس شعري أخاذ. وهو أضاف بالبحوث الجديدة التي يقدمها في النقد والأدب المقارن إضافة مهمة تسجل له، وتبرز أهمية النقد في تعريفنا بآداب الآخرين، والمستوى الذي وصل إليه الآخرون
** نشأت في أسرة فقيرة متدينة، وكانت أسرتي في أحيان كثيرة مضطرة للقبول بفكرة خروجي من المدرسة لولا تفوقي في الدراسة وإلحاح المجتمع في القرية على عدم السماح بهذا الأمر، وساهم ذلك في متابعة دراستي حتى المرحلة الثانوية حيث استطعت بعد ذلك العمل في مجالات مختلفة والاعتماد على نفسي لمتابعة تحصيلي العلمي.
** كنت متفوقاً منذ المرحلة الابتدائية في جميع المواد العلمية منها والأدبية وكان والدي رحمه الله كثيراً ما يقول لي وكأني أراك طبيب المستقبل، ولاشك أنك سوف تكون طبيباً مشهوراً، وتساعد المرضى في شفائهم من أمراضهم وآلامهم، وكانت هذه الكلمات تفتح أمامي طموحاً كبيراً جداً وتدفعني إلى مزيد من المثابرة، وكنت كثيراً ما أحلم أن أساعد الفقراء المرضى على التخلص من أمراضهم دون مقابل، لأني عشت الفقر منذ الصغر ولازمني فترة طويلة جداً، وأعرف كيف يتلوى الفقير من المرض والجوع، وكم يعاني الطفل الفقير من حرمان في مجالات لا حصر لها، إلاّ أنني عندما حصلت على الشهادة الثانوية لم يسمح لي معدل العلامات إلاّ بدراسة الهندسة المعمارية في "دمشق"، ولزمني علامات قليلة لدراسة الطب البشري، فسجلت في كلية الهندسة المعمارية ودرست عاماً كاملاً، ثم حصلت على منحة دراسية في جامعة "براغ" لدراسة الهندسة أيضاً، لكن طموحي لدراسة الطب أولاً وعدم إدراج دراسة الهندسة في دفتر أحلامي ثانياً دفعاني لترك الدراسة فيها والعودة إلى الوطن، فدرست الثانوية من جديد وسجلت في كلية الآداب قسم اللغة العربية وتابعت فيها الدبلوم والماجستير بالإضافة إلى دبلوم التأهيل التربوي، ووجدت في اللغة العربية مجالاً واسعاً لإرضاء التعمق الذي أسعى خلفه، ولإشباع رغباتي في كتابة الشعر والقصة القصيرة اللذين أحبهما منذ نعومة أظفاري، فكتبت شعراً كثيراً كنت أخفيه عن أصدقائي لأفاجئهم به منشوراً بدواوين منتظرة حلمت كثيراً برؤيتها مطبوعة في إحدى دور النشر، لكن العامل المادي كان لي بالمرصاد، وبقيت هذه القصائد التي تتحدث عن الحب والفقر والعلاقات الإنسانية المختلفة منثورة في أوراق مكدسة بين الدفاتر والكتب الجامعية ومجلات الموقف الأدبي والآداب العالمية والمحاضرات التي تلقيتها من أساتذتي الأفاضل في مجال النقد.
** أعتقد أن العلوم جميعها متكاملة، ولا يمكن لأي باحث أن ينظر إلى النص الأدبي من وجهة نظر واحدة، لأنها ستكون قاصرة، والباحث المتمكن يجب أن يكون لديه إلمام واطلاع على الفنون التشكيلية، لأن النص الأدبي نص فني بالدرجة الأولى ويمتلئ بالعناصر الجمالية التي يشترك مع الفنون فيها، ولذلك فالأدوات التي يحتاجها الفنان في إنشاء لوحته الفنية هي تقريباً نفسها الأدوات التي يحتاجها الأديب في تشكيل نصه، ولذلك فإن إغفال الناقد لدراسة الفنون سيكون إغفالاً لاكتشاف هذه العناصر الجمالية التي صاغت النص الأدبي سواء أكان شعرياً أم روائياً أم قصصياً، ومن جهة أخرى فإن اطلاع الناقد على علم النفس والفلسفة أمر ضروري جداً ليعرف الدوافع والأحلام والكبت والآلام التي تكمن خلف صياغة النصوص الفنية والأدبية، وأنا لا أدعي امتلاك المعرفة الكاملة في هذه المجالات إلا أن دراستي في دبلوم التأهيل التربوي فتحت لي نافذة للاطلاع على بعض الأمور الأساسية في علم النفس، كما أن دراستي للهندسة لفترة قصيرة دفعتني للسعي وراء التعمق قدر الإمكان في مجال الفنون، ومن جهة أخرى فإن احتكاكي بالشعوب الأجنبية ساعدني على الاطلاع على بعض آدابهم بلغتها الأم، ومعرفة اللغتين التشيكية والألمانية إضافة إلى اللغة الإنكليزية التي تعلمتها قبل السفر إلى أوروبا، واللغة ركن أساسي من أركان الاطلاع على الأدب بلغته الأم، لأن الترجمة كثيراً ما تفقد النص المترجَم جزءاً من خصوصيته ومن جماليته.
** عنوان الرسالة "جماليات الوصف في الرواية السورية 1990-2007"، تناولت الرسالة العناصر الجمالية التي تعطي الوصف الروائي جماله وتشويقه وتميزه، وبذلك اعتمدت في دراستي على النظريات الحديثة في علم الجمال، وآراء بعض الفلاسفة والفنانين والنقاد، ودرست أنواع الوصف وأساليبه ووظائفه مقدّماً لكل نوع من الأنواع أمثلة متنوعة من الروايات السورية التي شملتها الدراسة، ثم ناقشت مفاهيم الرواية الجديدة وموقع الرواية السورية فيها، واختتمت بحثي بالنتائج التي توصلت إليها في هذا المجال.
** لعل الدافع الأساسي لاختيار البحث هو قلة البحوث العربية التي تناولت الوصف بالمقارنة مع تلك البحوث التي تناولت السرد أو الزمان أو الشخصية أو غيرها من المكونات البنيوية للرواية، ولأن الوصف مكون أساسي من مكونات النص الروائي، فهو يشد كل الأجزاء بعضها إلى الآخر، ويشكل في كثير من الأحيان لوحات وصفية بديعة قد لا تقل أهمية عن تلك اللوحات الجميلة في الفنون التشكيلية، كما يشكل استراحة للمتلقي يتنفس فيها الصعداء وسط الأحداث المكتظة.
** بالتأكيد، قدمت امتحان اللغة الإنكليزية في المعهد العالي للغات في "دمشق" ونجحت فيه، تمهيداً لرسالة الدكتوراه حيث يعد اجتياز امتحان اللغة شرطاً أساسياً لتسجيل البحث، وأفكر ببحث في مجال الأدب المقارن، بين ظاهرة في الأدب التشيكي والأدب العربي، إلا أن موضوع البحث مازال قيد التفكير.
** نشرت بحوثاً في عدد من المجلات المحكمة، مثل: "الوصف بين الرواية التقليدية والرواية الجديدة" في مجلة جامعة "دمشق"*، وقصائد ترجمتها عن اللغة التشيكية للشاعر التشيكي "ياروسلاف فرخليتسكي" وقرنتها بمقدمة وتعليق وآراء نقدية حول الشاعر وبيئته وقيمة شعره على المستوى التشيكي والعالمي، وكان البحث بعنوان: مختارات من شعر "ياروسلاف فرخليتسكي" نشرته في مجلة الآداب العالمية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق. ومن جهة أخرى قمت بإلقاء محاضرات في مراكز ثقافية مختلفة في محافظة "السويداء" تتناول بحوثاً تهتم بالرواية وجمالياتها ومنها: (جماليات النص الروائي)، وأخرى بعنوان (جماليات الأدب الساخر وتجسيدها عند "حسيب كيالي")، وأخرى بعنوان (الرواية الجديدة وتأثيرها في الرواية السورية)، وأخرى تتحدث عن الوصف بين الرواية التقليدية والرواية الجديدة، ومحاضرة بعنوان (جماليات السخرية في الأدب - الأدب التشيكي نموذجاً)، ثم محاضرة بعنوان (الفكاهة والضحك عند بعض الفلاسفة والأدباء)، وأعمل الآن على كتابة وتجهيز بحوث أخرى.
** أتمنى أن تسهم نصوصي وبحوثي في دراسات أكثر عمقاً، وأن تعطى الرواية مجالاً أوسع من البحوث التي تضيء جمالياتها ومكوناتها، وأن تكون هذه البحوث مفتاحاً لمعرفة أعمق يتطلبها الباحث العربي من أجل ثقافة أقرب إلى الحقيقة وأبعد عن الخطأ والتجني، وأرى أن الإنتاج النقدي لا يتناسب كمّاً مع الإنتاج الإبداعي، وبذلك كثيراً ما تتسلط الأضواء على أعمال أدباء مشهورين - أو على بعض أعمالهم- بينما تبقى معظم البحوث تنأى عن الأعمال الأقل شهرة، وتحرم هذه الأعمال من إعطائها القيمة التي يمكن أن تستحقها.
الدكتور "ثائر زين الدين" مدير الثقافة في "السويداء" والشاعر والمترجم المعروف، تحدث عن المستوى الثقافي والمعارف التي يمتلكها الباحث المترجم "عرنوس" بالقول: «لا شك أن الأستاذ "حمد عرنوس" يشكل إضافة جديدة للثقافة السورية باعتباره يمتلك العديد من اللغات منها التشيكية، حيث ترجم أشعاراً لعدد من الشعراء غير المعروفين لنا، وقد نشرت هذه الترجمات في مجلة الآداب العالمية، وساهم في بث الروح في كلماتها وكأن الشاعر بات قريباً للعربية من خلال الثقافة التي يمتلكها المترجم، وتمتعه بحس شعري أخاذ. وهو أضاف بالبحوث الجديدة التي يقدمها في النقد والأدب المقارن إضافة مهمة تسجل له، وتبرز أهمية النقد في تعريفنا بآداب الآخرين، والمستوى الذي وصل إليه الآخرون».