نشأ في بداية الاحتلال الفرنسي لسورية كضاحية منفصلة عن دمشق القديمة؛ مخصصة لسكن الفرنسيين والإيطاليين في العاصمة، وما لبث أن استقطب عدداً من العائلات الدمشقية وخاصة الموظفين في الحكومة، ليصبح فيما بعد من أشهر الأحياء الدمشقية على الإطلاق.
إنه "حي الشعلان" الذي كان سكناً لعدد كبير من الشخصيات الوطنية السورية قبل الاستقلال وبعده، والذي شهد تاريخه العديد من الأحداث السياسية ما جعله يحمل اسم "شارع الحرية" في خمسينيات القرن العشرين، والذي كان أول حي يدخل نظام "الأباجورات" الخشبية في تصميم أبنيته.
جادات الحبوبي الأول، والحبوبي الثاني، والثالث، في منطقة كانت تسمى بستان الحبوبي
مدونة وطن "eSyria" زارت "حي الشعلان" بتاريخ 9/6/2013 والتقت الحاجة "امتثال الباني" أحد أبناء حي الشعلان منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث قالت: «ولدت في هذا الحي وعشت فيه، وكان يعد من الضواحي الجديدة وكان يوجد فيه عدد من مراكز الحراسة الخاصة بالجيش الفرنسي وخاصة جنوداً من الجنسية "السنغالية".
منذ تأسيس الشعلان يلاحظ أن جله من الموظفين التابعين للحكومة ويوجد فيه كثير من العيادات الطبية الخاصة بأفضل الأطباء السوريين ومكاتب لأشهر المحامين وكذلك مكاتب تجارية لأكبر الشركات السورية والأجنبية.
كما ساعده موقعه القريب من جامعة دمشق وبناء محافظة دمشق والبنك المركزي وعدد من الفنادق الفخمة وغيرها من المراكز الحيوية؛ ليكون حياً نشيطاً جداً تجارياً، ومركزاً لكثير من الأعمال في دمشق».
كما يوجد في حي الشعلان أحد أشهر أسواق دمشق وهو "سوق التنابل" الذي يقدم إلى جانب الفواكه والخضراوات واللحومات؛ الخضراوات المجهزة للطبخ الفوري، كالبقدونس المفروم والكوسا المحفورة ما جعل الناس تطلق عليه "سوق التنابل" وسوق الأجانب.
يقع "حي الشعلان" غربي جادة الصالحية، وتعود التسمية- حسب كتب التاريخ- إلى آل الشعلان "أمراء الدوّلة العشيرة العنيزية"، التي ذاع صيتها بقوة البأس والكرم، وتخلّد ذكرها في روايات حروب البادية وغزواتها، اشترى الشيخ نوري الشعلان رئيس عشيرة الدوّلة في مطلع العشرينيات من القرن الماضي "دار ياسين باشا الهاشمي" رئيس الوزراء العراقي السابق الكائنة في هذا الحي بدمشق، ومنذ ذلك الحين بنى مسجداً بجوار منزله، واتخذ المسجد والحي الشهير تسميتهما من اسم المالك الذي فتح منزله مضافة بجوار المسجد.
مدونتنا زارت الفنان التشكيلي "عاصم زكريا" ليحدثنا عن منطقة الشعلان كما صورتها ريشته ليقول: «عرف موضعها في العهد العثماني بمنطقة (طاحون الوز)، ليعرف المكان بزقاق الوز، وكان إلى الشمال منها محلة الشهداء، وكانت المنطقة منطقة خضراء خارج سور دمشق، تتناثر فيها بيوت ذات طابع دمشقي مع أسوار مبنية من الطين والتبن».
وفي لقاء مع المهندس "خليل الفرا" أحد أشهر معماريي دمشق بعيد الاستقلال، تبين بأن حي الشعلان نشأ بعد الاحتلال الفرنسي لمدينة دمشق، إذ دعت الضرورة إلى سكن الفرنسيين في حي واحد، فقد سكنته الجالية الفرنسية والإيطالية والميسورون من المواطنين، وبين سنتي 1920-1930م قسمت المنطقة بشكل عرضي لتقوم عليها أبنية حديثة متراصة انعدمت بينها الوجائب بسبب ضابطة بناء معينة.
وبالحديث مع المهندس "عبد الفتاح أياسو" مدير التنظيم والتخطيط والتنمية العمرانية في محافظة دمشق أضاف: «حدود منطقة الشعلان تمتد من زاوية معهد الفرنسيسكان- دار السلام- وتنتهي مع بداية حي السبكي، الذي يبدأ بحديقة السبكي الفسيحة، المتنفس الطبيعي للحيين، وتوازي جادة الحمراء وجادة عرنوس».
تميزت أبنية في حي الشعلان بطابعها الأوروبي، وبواجهات من الحجر الكلسي الأبيض، وأسقف داخلية عالية، تزيد على أربعة أمتار، وأبواب خارجية كبيرة، كانت خشبية في البداية، لتتحول إلى أبواب حديدية، وقد حلت الأبجورات الخشبية الحديثة محل الخصوص الخشبية التي غطت نوافذ البيت الدمشقي التقليدي، وربما استورد الفرنسيون آلات نجارة حديثة لصنع الأبجورات التي انتشر استعمالها في مجمل الأبنية الحديثة فيما بعد، وعلى الرغم من انتشار الأبنية الإسمنتية إلا أن منطقة الشعلان لم تخلُ من وجود بيوت دمشقية تقليدية نموذجية، إلا أن التوسع المعماري استطاع أن يقضي عليها وعلى المساحة الخضراء الموجودة سابقاً، والتي كانت ترويها أقنية متفرعة من فرع نهر تورا أحد فروع نهر بردى.
من أهم الأبنية القديمة التي مازالت قائمة حتى اليوم معهد الفرنسيسكان، وكنيسة الآباء الفرنسيسكان، بناء الإسعاف الخيري، بناء "وزارة الصحة"، ومضافة وجامع الشعلان الذي تم إنشاؤه بين عامي 1926-1927م، ومسجد الشنواني يقع إلى الغرب من شارع الحمرا، شرقي مسجد الشعلان، شيده سعيد الشنواني ودفن فيه عند وفاته عام 1933م.
أدى التوسع العمراني إلى توسع جادة الشعلان لتظهر كما يقول المهندس الفرا: «جادات الحبوبي الأول، والحبوبي الثاني، والثالث، في منطقة كانت تسمى بستان الحبوبي».