شكّل صلة الوصل بين الشام القديمة وأحياء سفح قاسيون منذ العهد الأيوبي، وعند دخول "الترام" إلى دمشق مع بداية القرن العشرين أصبح الطريق الأشهر على الاطلاق وسط العاصمة وأحد الأماكن الرئيسية التي يقصدها أهالي دمشق والسياح على حد سواء.
إنه طريق "بوابة الصالحية" الذي يبدأ من ميدان "يوسف العظمة"- ساحة المحافظة- حتى الجسر الأبيض ساحة الشهيد "عمر الأبرش"، ويمر في الجادات التالية من الجنوب جادة الصالحية، جادة البرلمان، جادة الشهداء، جادة عرنوس، جادة الطلياني، لينتهي في الجسر الأبيض.
يعتبر طريق الصالحية اليوم مكان التسوق الأول والمفضل بالنسبة لي، وخصوصاً أنه وسط دمشق واستطيع مواعدة جميع صديقاتي للتسوق وتناول وجبات من الطعام أو شرب كأس من العصير خاصة أن الطريق يعج بأشهر بائعي العصير
مدونة وطن "eSyria" جالت في طريق الصالحية والتقت الآنسة "ورد الصبان" طالبة جامعية كانت تجول في الطريق برفقة زميلاتها والتي تحدثت بالقول: «يعتبر طريق الصالحية اليوم مكان التسوق الأول والمفضل بالنسبة لي، وخصوصاً أنه وسط دمشق واستطيع مواعدة جميع صديقاتي للتسوق وتناول وجبات من الطعام أو شرب كأس من العصير خاصة أن الطريق يعج بأشهر بائعي العصير».
وأورد الدكتور "قتيبة الشهابي" في كتاب "دمشق .. تاريخ وصور": «تم فتح جادة الصالحية عام 1903م في ولاية الوالي حسين ناظم باشا لدمشق، ليبدأ النشاط العمراني فيها منذ عام 1921م، حين سكنتها العائلات الفرنسية والإيطالية الثرية، وشيدت فيها العديد من الدور الحديثة، على حساب المنطقة الخضراء التي كانت تفصل بين دمشق القديمة وحيي الصالحية والمهاجرين، وتوسعت الحركة العمرانية عام 1930 م لتقضي على ما تبقى من البساتين التي كانت تحيط بدمشق القديمة، لتنشأ مناطق عمرانية جديدة بالاتجاهين الشرقي والغربي».
من أهم المباني التي شهدتها هذه المنطقة من الجنوب إلى الشمال: "المشفى العسكري العثماني" الذي اختلف في تاريخ بنائه بشكل دقيق وإن يغلب عليه أنه شيد في أواخر العهد العثماني، تميز البناء بضخامته، يمتد من بداية زاوية (بوابة الصالحية) الى بداية الطريق الذي تحول اسمه فيما بعد الى شارع (المجلس النيابي) والذي حولته سلطات الاحتلال الفرنسي بعد احتلال دمشق عام 1920م، إلى (مستشفى هنري دو فيربيزيه العسكري) كما هو مكتوب على اللوحة الموجودة فوق المدخل باللغة الفرنسية، وحل محله مبنى سينما الحمراء والمباني المجاورة وصولاً الى بوابة الصالحية.
وعن الدكتور (محمد بشير زهدي) مخرج دمشقي في كتابه "دمشق وتاريخها العمراني والمعماري": «ظهرت المباني على طرفي الطريق الممتد من الصالحية إلى مدينة دمشق القديمة، وذلك بعد ظهور أحياء سكنية صغيرة حول أضرحة (شهداء) في حي عرف باسمهم، والموجودين في مسجد الشهداء- وسط سوق الصالحية- الذي شيده الشيخ محمد بن قديدر، فوق أضرحة ثلاثة إخوة من الصحابة استشهدوا عند فتح دمشق».
وعن الأستاذ "عماد الأرمشي" باحث مختص في تاريخ دمشق العمراني: «من الأبنية التي نهضت مقابل المشفى العسكري (مبنى المحاربين القدماء)، وقد شُـيد تزامناً مع مبنى البلدية بساحة المرجة في عام 1897م.
من المشيدات التي كانت قائمة عند نهاية جادة بوابة الصالحية، سينما "جناق قلعة" أول دار عرض فخمة تم انشاؤها عام 1916م ، أسوة بالمسارح الأوروبية، على الطراز الشرقي الأندلسي، وقد افتتح هذه الدار (أحمد جمال باشا المُلقب بالسفاح) ولقد احترقت بعد شهر من افتتاحها، وفيما بعد قررت حكومة الشيخ تاج الحسني إنشاء مجلس نيابي عام 1928م على أنقاض هذه القلعة، ولقد بدأ تشييد مبنى ضخم على شكل جناحي العُقاب السوري (شعار سورية) بين عامي 1928 – 1929م على طراز العمارة العربية الإسلامية، وأحيط البناء بحدائق واسعة».
ومن المشيدات التي كانت قائمة أيضاً "نادي الضباط الفرنسي" بجوار المشفى، وهو نفس نادي صف الضباط الحالي، شُيد بالعهد الفرنسي بعد الاحتلال، ويذكر كثيرون أنه أقيم في موضع منزل السيد (صبحي بركات) الذي تولى رئاسة الوزارة السورية مرتين 1922– 1925م.
كما تعد "ساحة عرنوس" من أبرز محطات طريق "بوابة الصالحية"- سميت عرنوس نسبة لضريح الولي عرنوس حسب الدكتور "بشير زهدي"- وذكر الفنان التشكيلي الأستاذ "عاصم زكريا" وصفاً لها في السابق: «كانت منطقة خضراء وارفة الظلال قبل أن يطولها البنيان والتنظيم لتصبح على ما هي عليه الآن، حيث بدأت الحياة بالنمو في هذه البقعة منذ عام 1921 وتوسعت عمرانياً بالاتجاهين الشرقي والغربي.
من أهم أبنية ساحة عرنوس قيادة الدرك الفرنسي وقنصلية الحجاز ونجد باتجاه الطلياني، مبنى زوار باشا العظم عام 1903 والذي شغلته مدرسة الطب منذ التاريخ المذكور حتى عام 1913 والذي تحول إلى ثانوية دار المعلمات الرسمية وفيما بعد تحول إلى ثانوية جول جمال، تبدلت معالم جادة عرنوس منذ عام 1985 حيث تفرع منها عدة شوارع وكثرت الأبنية الإسمنتية فيها».
وفي عمق "جادة عرنوس" نشأت جادة الطلياني، من أهم المشيدات في جادة الطلياني المستشفى الإيطالي الذي شيدته الجالية الإيطالية على طراز العمارة الأوروبية بتأثيرات تعكس فن الباروك ومنهجه الغني بالتفاصيل الدقيقة والكتل الجريئة، بدئ ببناء هذا المستشفى عام 1913 وافتتح عام 1925 بسبب ظروف الحرب، المدرسة الإيطالية خلف المستشفى تأسست عام 1911 إضافة إلى دير وكنيسة، مبنى القنصلية الإنكليزية قبالة المشفى الإيطالي الجانب الغربي لجادة الطلياني.
الجسر الابيض أطلق على المنطقة بستان الرئيس، اشتهرت جادة الجسر الأبيض بالبيوت ذات الطراز الأوروبي والمسحة العثمانية، نمت منذ عام 1921 ولكنها تميزت عن جادات طريق الصالحية بوجود عدد من الخوانق والمدارس والحمامات والتي لم يبق منها سوى جامع الماردانية، الذي كان في الأصل مدرسة للأحناف، وهو الأثر الوحيد الباقي إلى اليوم، بينما هدمت أبنية أثرية كثيرة عند توسع المنطقة.
تألق "طريق الصالحية بعد دخول الكهرباء دمشق، وبعد مد سكة الترام التي ربطت مدينة دمشق بمواصلات حديثة، أنشأتها الشركة البلجيكية للنقل والتنوير المساهمة المغفلة واتخذت مقراً لها بمحلة زقاق الصخر، مكان مؤسسة الكهرباء حالياً بشارع المتنبي، ورصفت الشركة المذكورة أول طريق خط للترام ذهاباً وإياباً بمكعبات من الحجر الأسود، ونصبت عليها مصابيح كهربائية للإنارة الليلية، امتداداً من ساحة المرجة، مروراً بساحة بوابة الصالحية إلى منطقة الجسر الأبيض، ثم ما لبثت أن امتدت لاحقاً إلى آخر نقطة في شارع ناظم باشا بساحة المهاجرين.
(*): تم الاستعانة بصور من أرشيف المهندس "مهند الحلبي".