حقق العلماء السوريون في المغترب إنجازات مشهودة في مختلف مجالات اختصاصاتهم، ولعل علم النانوتكنولوجي الأحدث عالمياً شهد حضوراً سورياً من نوع خاص، بدخول البروفيسور "إحسان البستاني" هذا المجال الواسع، وعمله في أبحاث الذرة ما يقارب أربعين عاماً، قدم خلالها أشكالاً جديدة لمادة "البورون"، ولايزال مرتبطاً بوطنه الأم "سورية".
شارك في أيلول الماضي 2013 في "المؤتمر الدولي الثالث لعلم النانوتكنولوجيا" المنعقد في جامعة "سان دييغو" في "كندا" مع قرابة خمسمئة خبير دولي في هذا المجال كان الوحيد بينهم من العالم العربي، حيث غطى المؤتمر مواضيع في علوم "النانوتكنولوجي Nanotechnology " واستخداماتها في مجالات الطاقة والبيئة والاستشفاء خاصة من الأمراض السرطانية.
أهم ما يميز الباحث السوري هو ثقته بنفسه وقدرته البحثية العالية
وعن علم "النانوتكنولجي" شرح الدكتور "محي الدين فاضل" من جامعة "تشرين" كلية "العلوم" بقوله: «النانوتكنولجي هو من العلوم الحديثة جداً، والاختصاصيون فيه قلة من العلماء، يهتم بدراسة استخدام التقنيات النانومترية (الصغروية) للمواد الطبيعية أو الصناعية في مختلف مجالات الحياة المختلفة، وهذا شرح مبسط جداً لعلم ضخم بدأ يفرض وجوده على الصعيد العالمي، و"العالم البستاني" مختص بارع في هذا المجال».
ارتكزت أغلب أبحاث العالم "البستاني" على الكيمياء والفيزياء النظرية التي يسميها "الكيمياء المبرمجة"، إضافة إلى اكتشافاته الكبيرة في مجال مادة "البورون"، وفي حديث خاص مع "مدونة وطن eSyria" بتاريخ 27 كانون الأول 2013 قال: «ساهمت في إصدار العديد من الكتب المتخصّصة في كيمياء الجسم الصلب، وشرائح الكريستال ومُكوّناتها، ومقاطع الجزيئات الذريّة ووظائفها باللغة الإنكليزية، كما أنني نشرت أكثر من خمسين بحثاً علمياً في مراجع علميّة كثيرة، كما سجّلت اكتشافات علمية باسمي في مجموعة من دوائر الأبحاث والمراكز العلمية الدولية».
من أبرز أبحاثه العلمية التي كرست أستاذيته أبحاثه في مادة "البورون Boron"، التي قال عنها: «البورون هو العنصر الخامس في الجدول الدوري الكيميائي، مادة غير معدنية تستعمل كثيراً في صناعة اللدائن الفولاذيّة والسيطرة على التفاعلات الذريّة، وقد قاد التعمق في كيمياء "البورون" إلى اكتشاف تراكيب جديدة في المادة على مستوى المُكوّنات الذريّة، ما أعطى للـ "بورون" استخدامات متنوّعة في علوم الفضاء وحماية السطوح، وفي الطب خصوصاً في مجال معالجة الأمراض السرطانية ومكافحتها»، وأكد أن مراكز أبحاث ذريّة في أميركا وأوروبا واليابان دققت هذه الاكتشافات بشكل علمي، وأعطتها تقديراً عالياً.
من أبرز مؤلفاته كتاب "النمذجة الكيماوية: التطبيق والنظرية Chemical Modeling: Applications and Theory"، إضافة إلى كتابته بحثاً بالمشاركة مع علماء آخرين، عنوانه "بحث عن البعدين الثنائيين الأكبرين لتجمّعات البورون Search for the largest two dimensional aggregates of Boron" اكتشف فيه ما سماه "أعداداً سحريّة" في الجزيئات الذريّة للبورون وهو أمر نال اهتماماً كبيراً في مراكز الأبحاث الذرية.
هذه "الأعداد السحرية" «هي عبارة عن متوالية من أعداد النترونات والبروتونات التي تتحرك في مستويات طاقة الذرة المسماة "القشور الذرية"، كما تشير هذه الأعداد أيضاً إلى الإلكترونات التي تتحرك في هذه القشور وهي تحيط بنواة الذرة كما يحيط الغلاف الجوي بالأرض».
يلقي العالم "البستاني" محاضرات سنوية في كثير من جامعات العالم، فقد حل ضيفاً على جامعات اليابان والولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا وسورية وغيرها، ويتواصل مع وطنه الأم من خلال شبكة العلماء المغتربين السوريين (نوستيا)، وفي حديث سابق له رأى أن «أهم ما يميز الباحث السوري هو ثقته بنفسه وقدرته البحثية العالية».
وعن دور (نوستيا) قال: «هذه الشبكة لعبت دوراً كبيراً في إقامة نظام للتواصل المستمر بين أعضائها في المغترب ونظرائهم في الوطن الأم سورية، حيث يتم عبر وسائل الاتصال الحديثة تبادل سريع للمعلومات والدراسات والتقارير العلمية والتقانية والتشاور في الأمور العلمية والتقانية ذات الاهتمام المشترك، كما ساهمت في دعوة الباحثين السوريين المغتربين للمشاركة في المشاريع والبرامج العلمية، التي تُقام في المؤسسات العلمية والأكاديمية المتطورة في الدول المتقدمة والتي تدار من قبل العلماء والخبراء السوريين في هذه الدول، وعقد المؤتمرات وورشات العمل وحلقات البحث التخصصية التي تهم القطاعات الوطنية للتعرف إلى الحاجات الوطنية وتقديم الاقتراحات لإيجاد الحلول والمساهمات التي يمكن أن يقدموها وآلية تحقيق ذلك، وهي من خلال أنشطتها تمكّن الاختصاصيين السوريين العاملين في الدول الصناعية الكبرى من المساهمة الفعالة في التطوير العلمي والتقني لبلدهم الأم سورية، وتأمين تدريب مهني وأكاديمي للسوريين العاملين في عدة مجالات».
يتابع العالم البستاني أبحاثه لوضع اكتشافات جديدة لتطبيقات "البورون" في صناعة الطيران في معاهد الولايات المتحدة التقنية، كما أنه يتابع اتصالاته مع زملائه السوريين متعاوناً مع "هيئة الطاقة الذريّة السورية"، وقد استقبل مؤخراً عدداً من الباحثين السوريين من "هيئة الطاقة" في ألمانيا، ونشر مجموعة من أبحاثهم في مجلات ودوريات علمية.
يذكر أخيراً أن البروفيسور "البستاني" هو ابن مدينة "حلب" مواليد عام 1948، وخريج كلية الرياضيات في جامعتها العريقة عام 1972، حاصل على دبلوم في "الهندسة الفيزيائية" عام 1981، والدكتوراه من جامعة "برلين" في مجال "الكيمياء النظريّة -علم الجزيئات الذريّة" عام 1989، وحصل من جامعة "فويرتال" الألمانية الحرة عام 1998 على لقب "بروفيسور"، ثم اختير ليكون أحد مدرسيها وباحثيها وهو للعام الخامس عشر على التوالي يحتل كرسي "الأستاذية" في هيئتها التدريسية، ومدرساً لمادة "الكيمياء المعلوماتية والنظرية" وباحثاً معتمداً في مخابرها، متزوج من ألمانية ويقيم في نفس الجامعة، شارك في العديد من المؤتمرات العلمية في "سورية" كان آخرها "مؤتمر المغتربين السوريين الثاني " عام 2007 ومؤتمر "البحث العلمي" في نفس العام.