يستمتع الدكتور "عمران قوبا" بحل المسائل الرياضية، فبعد ربع قرن من التأليف والإشراف على المناهج، ما زال ينصح طلابه كما يقول لعدم اعتبار هذه المادة المليئة بالألغاز على أنها أداة، فهي مثل اللغة بالنسبة للشاعر.
مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 آذار 2016، الدكتور "نبيه عودة" في مكتبه في "المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا"؛ الذي تحدث عن مسيرة الدكتور "عمران قوبا" قائلاً: «على الرغم من المهام الكثيرة التي تولاها، إلا أنه استمر بالتدريس في المعهد، لقد واكب "قوبا" تجربة المعهد العالي منذ البدايات، وكان من بين الدفعات التي درست فيه قبل إحداثه رسمياً عام 1983، وأوفد إلى "فرنسا" عام 1982 لتحضير شهادة الإجازة في الرياضيات البحتة، فدبلوم الدراسات العليا والدكتوراه، وأحرز المركز الثاني في مسابقة الـAgrégation لانتقاء أساتذة التعليم العالي في "فرنسا" عام 1985 في اختصاص الرياضيات، وحصل على الدكتوراه في الرياضيات البحتة من "فرنسا" عام 1990، وما يميزه غزارة إنتاجه العلمي النوعي».
أنا موجود بقربكم، وأبعد عنكم عشرين دقيقة فقط، لن أبخل عليكم بأي معلومة وحاضر لمساعدة الجميع، لقد أنجزنا الكثير وعليكم المتابعة، ومازال حتى الآن يقدم الدعم والمساعدة والإرشاد
أكثر من ربع قرن من العطاء المستمر، كما عُرف عنه التزامه بالحضور في الموعد المحدد لحصته، ويعدّ أعلى مرجع علمي بالرياضيات، ولم يبخل بوقته للإجابة عن كافة التساؤلات والاستفسارات المتعلقة باختصاصه؛ هذا ما قاله الدكتور "باسم صقور" مدير الشركة السورية لتكنولوجيا المعلومات، وتابع حديثه قائلاً: «أعتز بأنني من طلابه، وله الفضل في بناء القاعدة المعرفية الأساسية لكافة خريجي المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا منذ عام 1990. يهتم بطرائق تدريس الرياضيات، وله العديد من الأوراق البحثية في مجالات الرياضيات المختلفة، إن إخلاصه لمهنة التدريس وثقته العالية بعلمه علّمانا الالتزام والمثابرة على الرغم من الصعوبات التي تعترض عملنا. ولحسن حظي عملت معه بعد تخرجي، فتعلمت منه القدرة على التجريد لإنجاز كافة المشاريع، فلديه القدرة على إيجاد الحلول للمشكلات التي تعترضنا، وتعدّ كتبه مراجع علمية لكافة المؤسسات العلمية، وتنصبّ أبحاثه واهتماماته في مجالات التحليل التابعي، والتحليل التقليدي، والتحليل العقدي، والجبر التبديلي، وطرائق حل المسائل، وقد ترأّس قسم الرياضيات في المعهد العالي مرّتين، وسميّ مديراً للمعهد العالي ما بين عامي 2002-2004».
"ميكائيل الحمود" رئيس قسم تطوير المناهج التربوية والموجه الأول لمادة الرياضيات، تحدث عن العلاقة التي جمعته مع الدكتور "قوبا" بالقول: «تعرّفت اسم الأستاذ الدكتور "قوبا" من كتبه التي كانت بمنزلة المرجع الأخير الذي نحتكم إليه، ثم تعرّفته شخصياً عام 2009 عندما كنت أبحث عن مُراجع ومدقق لكتب مادة الرياضيات للصف الثالث الثانوي العلمي، ملاحظاته القيمة ساهمت بالاستغناء عن الحشو والتكرار غير المفيد. كانت سعادتي كبيرة عندما وافق أن يكون عضواً في لجان التأليف وخبيراً لتطوير مادة الرياضيات في المركز الوطني لتطوير المناهج.
عرفناه في البداية عالم رياضيات فإذا به يذهلنا بخبراته ومعارفه التي تمتد لتشمل الفيزياء والكيمياء والمعلوماتية واللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، حيث اجتمع مع لجنة التأليف وأعطى ملاحظاته عن كيفية بناء المناهج وتطويره وتدقيقه، وقام بمساعدة منسقي المواد وقراءة أعمالهم وتقديم الملاحظات والمراجع المناسبة ليطوروا من أدائهم ويختصروا الزمن. صمم على مواكبة التطوير الحاصل في مادتي الكيمياء والعلوم، وصوب بعض الأخطاء في كتاب الفيزياء، وقدم مجموعة من الملاحظات لمنهاج الفرنسي ولم يكترث بالمردود المالي لمساهماته».
وتابع الحديث قائلاً: «ما زلت أتذكر مقولته عندما تم تعيينه مديراً لمركز تطوير المناهج: «يجب أن نكون على قدر المسؤولية، فعلينا الحفاظ على الممتلكات العامة وإنجاز المطلوب منا بحرفية وإتقان، وإذا لم تكن المناهج الجديدة مطورة نكون بذلك هدرنا وقتنا وجهدنا وجهد جيل كامل، ولم يضع حاجز المنصب بيننا وبينه، ولم يبخل بوقته».
أراد أن يقدم المساعدة طالما هناك شخص واحد يستفيد منها، وخلال سنة من إدارته للمركز تم صدور الملاك العددي للمركز ونظامه الداخلي، واعتماد وثيقة المعايير الوطنية لمادتي الرياضيات واللغة الفرنسية، وإحداث التوجه العلمي والتوجه الأدبي من الصف العاشر، وإضافة حصة رياضيات إلى الصف الثاني الثانوي العلمي، وبناء الشبكة الحاسوبية، وإطلاق الموقع الخاص بالمركز، وما زلت أتذكر كلامه في حفل وداعه عندما قال: «أنا موجود بقربكم، وأبعد عنكم عشرين دقيقة فقط، لن أبخل عليكم بأي معلومة وحاضر لمساعدة الجميع، لقد أنجزنا الكثير وعليكم المتابعة، ومازال حتى الآن يقدم الدعم والمساعدة والإرشاد».
كانت البداية مع الرياضيات التي أحبها الدكتور "قوبا" عندما كان طالباً طريقاً له لكي يرى العالم بصورة مغايرة، حيث تحدث عن بداياته قائلاً: «تعلمت بالمدارس الحكومية، وتمكنت في المرحلة الثانوية من الحصول على الشهادة الثانوية بعلامات تؤهلني لاختيار الفرع الذي أريده، ولأنني أعشق الرياضيات وأستمتع بحلها، كنت أشتري كتب رياضيات رخيصة مترجمة إلى اللغة العربية قادمة إلينا من "الاتحاد السوفييتي" سابقاً، وسمعت بالمصادفة أن المعهد العالي سيقوم بإعداد طلاب وإيفادهم داخلياً، فحضرت الاجتماع مع والدي في المجلس الأعلى للعلوم، وكان مديره حينها الدكتور "واثق شهيد" الذي تحدث عن المستقبل الذي ينتظرنا، ووعدنا عام 1979 أن ندرس الهندسة؛ حيث تعدّ الرياضيات جزءاً أساسياً من منهاجها، حينها قرروا إيفاد طلاب من المعهد للدارسة في المدارس الفرنسية العليا التي تقوم بتأهيل النخبة من مهندسين مستوياتهم أعلى من التأهيل الجامعي، ولتميزي بالرياضيات تم اختياري للدراسة في هذه المدارس للحصول على شهادة جامعية في الرياضيات البحتة، وضمن مسابقة تقدم إليها ثلاثة آلاف طالب فرنسي، نجح منهم 180 طالباً؛ حصلت على المركز الثاني لأكون أول سوري حمل شهادة تؤهل أساتذة مختصين، وبذلك فتحت الباب أمام زملائي لقبولهم في هذه المدارس».
وتابع حديثه عن رحلته الطويلة مع هذا العلم الواسع: «عُدت إلى "سورية" سنة 1985، وقمت بالتدريس لمدة سنة، والتدريس الذي أحببته ناتج عن أن والدي ووالدتي مدرّسان، ومن ثم أوفدت للحصول على شهادة دكتوراه، وقد عدت قبل ستة أشهر من خطة الإيفاد، أردت أن أكون مفيداً ووفياً للبلد الذي أعطاني الفرصة لإتمام تحصيلي العلمي».
وعما أضافت إليه الرياضيات التي يعشقها ومحور أعماله لثلاثة عقود، يقول: «تعلمنا أشياء مفيدة جداً ونتمنى أن نعلمها، ومن ينظر إلى الرياضيات على أنها أداة لا يعرف قيمتها، أنا أستمتع بحل المسائل الرياضية، وعندما أكون في ضائقة ما فإنني أحل مسألة رياضية. لكن لا يمكن أن نطلب من كافة البشر أن يكونوا شعراء، فاللغة ليست أداة يستخدمها الشاعر لوضع قصائده، وأنا أتعامل مع الرياضيات كما يتعامل الشاعر مع اللغة».
يذكر أن "قوبا" من مواليد مدينة "دمشق" عام 1962، ألّف ما يزيد على خمسة عشر كتاباً في فروع مختلفة من الرياضيات باللغتين العربيّة والفرنسية، ويساهم منذ عام 1992 بتأليف كتب الرياضيات المدرسية أو تقويمها علمياً، وقام بحل العديد من مسائل الشهر التي تصدرها المؤسسة الأميركية للرياضيات.