تَتَفنن عشرات التطبيقات المتاحة على الموبايل بعرض التاريخ اليومي وفروقات الزمن حول العالم، وتُتيح معظمها التذكير بمناسبات شخصية واجتماعية بدءاً من تواريخ الميلاد وانتهاءً بأعياد الاستقلال إضافة إلى درجات الحرارة ومواقيت الصلاة، ومع السهولة والسرعة التي توفرها إلا أنها لم تنل من مكانة الروزنامة الورقية أو كما تُسمى في سورية "التقويم الهاشمي"، مجموعة أوراق يوازي عددها أيام السنة بخط واضح وإخراج مريح، وإن كانت ميزتها الأهم تأتي من العبارات والقصص الصغيرة على الوجه الثاني من صفحاتها.
يصل عمر التقويم الهاشمي اليوم إلى 103 أعوام، وما زالت الجهود مستمرة للطباعة والنشر واختيار نصائح وحِكم تتناسب مع الثوابت والمتغيرات في المجتمع بمختلف شرائحه وانتماءاته ومناسباته الوطنية والدينية، وتترك في الوقت نفسه أثراً يبتعد عن الإملاء والتنظير ويحث قارئه على مراجعة أفكاره وقرارته، وهو ما انتهجه القائمون على التقويم منذ البداية التي تعدد فيها الشركاء، وعنها كتب الباحث الراحل مروان مراد مُوثِّقاً: عام 1917 أثمر التعاون بين إدارتي المكتبة الهاشمية "عائلة هاشم الكتبي" والمكتبة العربية "عائلة عبيد" عن تقويم جديد أطلق عليه اسم "التقويم العربي الهاشمي" بعد أن كان لكل منهما تقويمه الخاص "العربي والهاشمي"، وأسندتْ الإدارةُ الجديدة إلى العديد من الأدباء والمفكرين مهمةَ انتقاء واختيار المقولات والأحداث لتدوينها على الوجه الثاني من أوراق التقويم بغية الجمع بين الفائدة والمتعة.
حرصت هذه الثلة من الأدباء كما يشرح مراد على القيام بالمهمة الموكلة إليهم من خلال رؤية ثقافية تربوية وأخلاقية متعددة الوجوه واسعة الآفاق، فكان أن نهلت من موروثنا الفكري حكمه العميقة وأشعاره الجميلة وقدمت المعلومة الناعمة الخفيفة واللقطة الطريفة، وطافت في حقول الفكر فانتقت من الثمار اليانعة لفكرنا وأدبنا القديم والحديث، وأضافت إلى ذلك كله الكثير من الطرف والأحداث في العالم فلاقت رواجاً كبيراً بين الناس، وكان يندر أن تدخل بيتاً من البيوت الدمشقية فلا تجد فيه التقويم العربي الهاشمي متصدراً أحد جدران المنزل معلناً عن حضوره المحبب لدى الجميع بل إن البعض كان يحلو له أن يقلّب العديد من الأوراق قبل أيامها ليقرأ ما دُوِّن عليها من أشعار وحِكم وطُرف.
خلال السنين الأولى من عمر التقويم تعهدت "مطبعة الترقي" الأعمال الفنية والطباعة لأكثر من تسعة عشر عاماً إلى أن تمكنت إدارة مكتبة الهاشمية من تأسيس المطبعة الخاصة بها عام 1936 وراحت تشرف مع شركائها على العمل في جانبيه الفني والفكري، يضيف مراد: عملت الإدارة المشتركة من خلال الواقع الجديد على تطوير التقويم من الناحية الفنية فظهرت أشكال عديدة من أقدمها التقويم الذي تتوسطه الأوراق اليومية وعلى الجانبين أربعة مربعات في كل منها تقويم كامل لثلاثة أشهر ثم كان الشكل الأخير الذي أصبح شكلاً ثابتاً للتقويم، وانتقل من الأسود والأبيض إلى الزخرفة والتلوين مع مرور الوقت ونضج التجربة، كما تعددت الخطوط التي استخدمت في تدوين أسماء الأشهر وكتابة المعلومات لأن لكل خط من الخطوط العربية جمالية خاصة به تتيح في مجملها إمكانية أكبر لتقديم أشكال فنية كثيرة تجمع بين الإتقان والفن.
لاحقاً تم فضُّ الاتفاق بين الطرفين "الهاشمية والعربية"، وعاد كل منهما لإصدار تقويمه الخاص، وفي الكلام هنا عن "التقويم الهاشمي" يقول المدير الإداري للمطبعة الهاشمية "محمد وسيم المزين" لـ مدوّنة وطن: تأسست المكتبة الهاشمية على يد هاشم الكتبي عام 1896حيث كان العمل يقتصر على طباعة الكتب وتسويقها بين سورية وفلسطين والعراق ومصر في تلك الفترة حتى إن اسم العائلة مشتق من مهنتها في تجارة الكتب.
مرّت الشركة/ المكتبة بفترات صعبة أواخر السبعينيات بسبب الأوضاع والقوانين الاقتصادية في ذلك الوقت، وفي بداية التسعينيات حصل الانفتاح الاقتصادي في سورية وتأسست شركة أحمد ومحمد هاشم الكتبي وشركاهم "الهاشمية"، وتخصصت بطباعة التقاويم السنوية والمصاحف الشريفة وتصنيع الدفاتر والتجليد الفني وتجارة مختلف أنواع الورق والكرتون لكن نشاطها تراجع كما يوضح المزين منذ بدء الأزمة لأسباب خارجة عن الإرادة.
اليوم تتعاون مكتبة الهاشمية مع مجموعة من المختصين "كتّاب وباحثين" يختارون بدورهم عظاتٍ وحِكماً دينية واجتماعية من أهم الكتب والمراجع، منهم "الراحل عمر حصرية، الراحل شوقي أبو خليل، نزار أباظة وغيرهم". ومن ثم يتم التدقيق اللغوي والإملائي قبل الطباعة والنشر.
يُفاخر العاملون في الهاشمية بأنه لا يوجد منزل في سورية، إلا وفيه أحد منتجات الهاشمية كالروزنامة السنوية "التقويم" التي أصبحت تراثاً شعبياً، يضيف المزين: اتخذت الهاشمية شعار (كنّا مع الأجداد وسنبقى مع الأحفاد) كهدف دائم لأصحابها الذين ما زالوا يتوارثونها، وهم اليوم أبناء الجيل الرابع من العائلة.