تعد شعوب شمال القفقاس "الشركس" من الشعوب القديمة جداً، وتمتلك تراثاً غنياً من الملاحم والحكايات والأمثلة الشعبية ذات الدلالات التاريخية، كما تعد الأمثال الشعبية لديهم جزءاً من تراثهم العريق، وقد أفردوا لها حيزاً واسعاً من ذاكرتهم الجمعية، ولا تزال هذه الحكم والأمثال تتردد على الألسنة حتى يومنا هذا.
اللّغة والكلام
يقول الباحث في التراث الشركسي "عدنان محمد مصطفى قبرطاي" والذي لديه العديد من الدراسات المتخصصة بالأمثال والحكم الشركسية: «أعطى المجتمع الشركسي مكانة مهمة لشخصية الراوي الشعبي وعن طريقهم تم حفظ الموروث من الحكم والأمثال التي جسدت كافة الحالات الاجتماعية وغيرها، وتجسد هذه الأمثال أهمية اللغة في الحياة الاجتماعية كونها وسيلة للتعبير والتخاطب مع الآخرين، وتبادل الأفكار وتنميتها وفتح السبل للوصول إلى العطاء والإبداع، وطالما كانت وما زالت وسيلة للاتصال الاجتماعي، أما الكلام فله أهميته أيضاً فهو كسيف ذي حدين، به يقترب المرء من الناس ومن خلاله يبتعد عنهم».
أعطى المجتمع الشركسي مكانة مهمة لشخصية الراوي الشعبي وعن طريقهم تم حفظ الموروث من الحكم والأمثال التي جسدت كافة الحالات الاجتماعية وغيرها، وتجسد هذه الأمثال أهمية اللغة في الحياة الاجتماعية كونها وسيلة للتعبير والتخاطب مع الآخرين، وتبادل الأفكار وتنميتها وفتح السبل للوصول إلى العطاء والإبداع، وطالما كانت وما زالت وسيلة للاتصال الاجتماعي، أما الكلام فله أهميته أيضاً فهو كسيف ذي حدين، به يقترب المرء من الناس ومن خلاله يبتعد عنهم
ويشير "قبرطاي" إلى بعض الأمثال الشعبية ذات الدلالة على اللغة والكلام، ومنها "الفم مرسال الرأس"، "الكلام الحاد والسيف الحاد سيان"، "اللسان سكين مشهر"، "سيف الفقير ومدفعه لغته"، "جرح السيف يندمل، أما جرح اللسان فلا"، "الكلام إذا طال فقد حلاوته"، "كلامك أو صمتك، كل في موضعه دليل على الذكاء"، "أحسن الحبال أطولها، وأحسن الكلام ما قلّ ودلّ"، "فكر مرتين قبل أن تتكلم مرة".
حضور الضّيف
إكرام الضيف من الصفات المميزة عند المجتمع الشركسي وبكثير من الشهادات منها شهادة الراهب "جان دي ليوك" عام 1925 حيث أكد بأنه لا يوجد شعب في الدنيا يولي ضيفه اهتماماً مثل الشركس، لذا لم يغب الضيف في الأمثال الشعبية لديهم، وعن الضيف تقول الأمثال الشركسية: "ضيف الصباح طعامه القشطة"، "الحظ يأتي مع الضيف"، "الإنسان الطيب كثير الضيوف"، "أفقر الشركس يحسن الضيافة"، "الضيف الذي يغير مضيفه يذبح له جدياً ذكراً"، "الاستضافة من حق المضيف ولكن حق المغادرة فللضيف".
وحسب العادات الشركسية يكرّم الضيف حتى لو كان عدواً، وهناك الكثير من التجارب ممن استغلوا هذه العادة حيث يذهب المدمي ضيفاً على صاحب الدم ويستجير بكبيرة السن في العائلة فيصبح كأحد أبنائها ويتم العفو عنه.
احترام الكبار
من يزور مضافات الشركس وجمعياتهم في "سورية" يرى بأم عينه مكانة كبار السن واحترامهم عند هذا المجتمع والإصغاء إليه وهو يتحدث عن التاريخ والعادات والتقاليد، في هذا السياق يتابع الباحث "قبرطاي" حديثه عن الحكم والأمثال ومنها "بيت لا عجوز فيه لا خير فيه"، "لاحظ في بيت يخلو من كبير"، "من يجالس العجوز، خير ممن يتربع على الذهب"، "من لا يحترم كبيره لا يحترم نفسه"، "نحن بحاجة إلى مسني القرية بعد الله"، "لاينادى على الكبير، بل يجب الوصول إليه".
وهذه أدلة دامغة على أن المجتمع الشركسي أدرك منذ البداية أن كبار السن هم من يمتلكون الخبرة والحنكة، لذلك دعوا إلى التقرب منهم ومجالستهم والاستفادة منهم لأنهم أعطوا عمرهم كثمن باهظ للنضوج.
ويؤكد "خيري أرصوي" و"آيصون قاماجي" في كتابهما المشترك "تاريخ الشراكسة- الإباظية"، إنه في العائلات الكبيرة تكون السلطة الحقيقية في يد الجد، فهو مسؤول عن كل شيء، وهو يقبض على زمام العائلة بيد من حديد والذي يجمعها، ولا يمكن أن يؤخذ قرار يخص العائلة من دون الرجوع إليه، وتأثيره يمتد حتى على إخوته الذين هم أصغر منه سناً وعلى عائلاتهم وأبنائهم وأحفادهم، وعند موت كبير العائلة يحل محله أكبر أولاده ليكون الترتيب الهرمي نفسه.
مكانة المرأة
وللمرأة بشكل عام نصيبها في الثقافة الشركسية، فتاريخياً لها دور كبير في اتخاذ القرارات في مجمل الحياة الأسرية، ومن عادات هذه الشعوب في تقديس المرأة، عندما كانت تندلع حرب ما بين قبيلتين، فإذا قامت المرأة بإزالة الشال عن رأسها بين طرفي النزاع تتوقف الحرب مهما كان الخلاف كبيراً، وللأم قدسية عظيمة واحترام كبير عند هذا المجتمع وكتبت عنها الكثير من الملاحم والقصص وكانت حاضرة دائماً في الأمثال والحكم، منها: "الأم والعين بمنزلة سواء"، "راحتا الأم فراش وثير"، "حضن الأم مثل الشهد"، "مهما كبر المولود يبقى بنظر أمه طفلاً".
وكذلك للزوجة مكانتها في هيكلية الأسرة، ومما يقوله "قبرطاي" بهذا السياق: "رجل بلا زوجة، كطفل فقد أمه"، "ثبت عموداً واحداً في أرضك، وستكمل المرأة الصالحة عمارة باقي البناء"، "مصائب الزوج تهون مع عشرة الزوجة الصالحة"، "من فقد زوجته كمن شلّ جنبه"، "المرأة الطالحة تقصّر عمر زوجها"، "الزوجة الجميلة زوجة لأسبوع والزوجة الصالحة زوجة العمر".
صور وحكم
تميز الموطن الأصلي للشركس وهو بلاد "القوقاز" أو "القفقاس" بتضاريس قاسية وجبال وغابات وعرة، وقد أسهمت هذه الطبيعة في تكون الشخصية الشركسية القوية من خلال الفروسية واللعب بمهارة على السيف وشخصية لا تنحني بسهولة، وعن الشجاعة هناك أمثلة لديهم: "الشجاع لا يضرب العزل"، "الكلاب تعض الجبناء وتكتفي بالنباح على الشجعان"، "الشجاع يموت مرة أما الجبان فيموت ألف مرة".
وينهي الأديب والباحث "عدنان قبرطاي" سرده عن بعض من الأمثلة جسدت حالات متنوعة، نختار منها: "لا تنحرج من السؤال عما تجهله"، "تعلّم كثيراً وتحدث قليلاً"، "إذا لم تجد من تسأله فضع قبعتك أمامك واسألها"، "جرب ذكاءك في التخلص من الأحمق أما العاقل فأمره يسير"، "خير لك أن تكون عبداً للعقل من أن تكون سيداً للجهل"، "تقول الأفعى مهما ادعيت أنني أزحف بشكل مستقيم فاعوجاج ذيلي يفضحني"، "الحقيقة المرّة خير من الكذبة الحلوة"، "من لدغته الأفعى يجفل من الحبل"، "لا يجد الجبان مكاناً يختبئ فيه"، "يجفل الجبان من ظله"، "القط شجاع إذا لاقى فأراً"، "محصوله مشابه لعمله"، "لا تتطلع إلى قمة الجبل الذي لن تتمكن من تسلقه"، "من لم يجرب المصائب لا يعرف قيمة الهناء"، "السارق والتستر عليه سواء"، "لا يمكن إخفاء النار داخل القطن"، "مدمن الخمر نصف إنسان"، "نديم الخمر جيبه مثقوب"، "إذا دحرجت حجراً تجده أمامك"، "نهاية الحرب مناحة"، "سعادتك خارج الوطن سعادة مزيفة".
كل هذه الشواهد تدل على عراقة الشركس، وطالما كانت هذه الأمثلة وغيرها الكثير جزءاً من الذاكرة الجمعية لهذه الشعوب التي تجمعها بيئة واحدة وثقافة واحدة تعبر عن حياتها الاجتماعية والاقتصادية، وأفرزت هذه الخلاصة من الأمثال الشعبية إضافة إلى الملاحم والأغاني والرقصات ومجالات أخرى مما يجري تداولها جيلاً بعد جيل إلى يومنا هذا.