تنظم حروفها بألوان الزجاج والمعدن لتأخذك إلى سحر حرفة "المينا" التي تعود جذورها إلى عصر "الفينيقيين"، وتتميز أعمالها الفنية بحرفية فريدة تخالط أناملها سحر الزمن الغابر وبريق موادها العتيقة، ذلك الإبداع الذي تعلمته "رند الدبس" في محترف "جوني غاربييان".
الملخص: تنظم حروفها بألوان الزجاج والمعدن لتأخذك إلى سحر حرفة "المينا" التي تعود جذورها إلى عصر "الفينيقيين"، وتتميز أعمالها الفنية بحرفية فريدة تخالط أناملها سحر الزمن الغابر وبريق موادها العتيقة، ذلك الإبداع الذي تعلمته "رند الدبس" في محترف "جوني غاربييان".
نقدم من خلال دورات المحترف كل ما يرتبط بالمينا وغيرها من الحرف، وكل من تلاقى ميوله مع هذه الطريقة ومنهم "رند" التي تطور عملها بشكل جميل وحقق النجاح بتقديم أعمال مميزة
شغف التّراث
"رند" خريجة كلية الفنون الجميلة التي لم تدرس "المينا" ضمن الاختصاصات الأربعة الأساسية للكلية، بل اتجهت بعد التخرج إلى حرفة "المينا" التي تصنف من الحرف التراثية التقليدية، بسبب الميول الفنية والفضول الفني لتجربة فنون وحرف وتقنيات جديدة لم ترتوِ منها، رغم إنجاز فترة التدريب بنجاح في المحترف، والانتقال للتدريب والحلم الدائم بنقل هذه الحرفة إلى شباب وشابات لديهم رغبة التعلم لحماية ما بقي من مهارات وطرق فنية يعز على "رند" اندثارها خاصة في منطقتنا وإعادة تاريخ حرفيين اشتهروا فيها في "دمشق".
للتعريف بالحرفة تشير "رند" إلى أن "المينا" هي أي مادة زجاجية تتشكل على أي سطح سواء كان زجاجياً أو معدنياً أو أي خامة أخرى وتخلط بالأكاسيد المعدنية الملونة، ولتزجج وتتصلب إما تشوى بحالة "المينا" الحارة في فرن خاص بدرجات حرارة مختلفة تبعاً للخامة المشغول عليها، أو يتم العمل بالمينا الباردة التي لا تحتاج للتعرض للحرارة.
أما عن تاريخ الحرفة، تشير "رند" أنها ترجع لحوالي ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة في جزيرة "قبرص" حين كانت إحدى مناطق نفوذ الفينيقيين ووجدت عدة محاولات حتى وصلت لشكلها الحالي، في البداية كان العمل على المعادن الثمينة كالذهب والفضة ثم تطور ليشغل على المعادن والخامات الأخرى.
وفق "رند" كان للحرفة خط انتشار نحو الشرق باتجاه شرق آسيا ونحو الغرب باتجاه "إسبانيا" وأوروبا، وكل منطقه طورت تقنيات تميزت بها مثل مد الشرائط الذهبية أو النحاسية أو الحفر والنقش وحتى الرسم بالمينا من دون حواجز.
إحياء التراث
تقول "رند": «تجربتي مع الحرفة العريقة بدأت من المحترف، تعرفت عليها من خلال وجودي في محترف "جوني غاربييان" للحرف التراثية والتقليدية، تدربت هناك لعدة سنوات على تقنيات العمل والخامات والمواد وبدأت بالكشف عن هذا العالم الجميل الغني باللون والبريق.. هنا نمارس هواية وعملاً».
الشابة قدمت مجموعة غنية من الأعمال التي تستهلك الوقت والجهد وتحتاج لإجراءات تقنية حرفية عالية الجودة لتنتج لوحة أو مجسم قطعة تراثية بألوان وخامات مختلفة تضيفها إلى رصيدها، وأنجزت عدة أعمال منها لوحات مسطحة ومنها قطع مجسمة، وقامت بتنزيل المينا على عدة قطع من الفضة وخامات أخرى كالخشب والزجاج وغيرها وتقول: «أنا حالياً مدربة لهذه الحرفة في المحترف ذاته، وفي الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية بجانب عدد من مدربات ومدربي الحرف الأخرى، وقد قمنا باستضافة نحو سبعين متدرباً في خمس حرف مختلفة مؤخراً في دورة تدريبية استمرت أربعة أشهر، بالتعاون مع وزارة الصناعة، ونحن في المحترف نسعى للمحافظة على الحرف بشكلها التراثي وإعادة إحياء ما اختفى منها».
وتضيف: «بالرغم من وجود من يعمل بالمينا ولو بمحاولات خجولة وندرة الأسماء، علماً أن آخر من عمل بالمينا بالطريقة الدمشقية القديمة كان اسمه "لويس الصراف" الذي توفي في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن حبي للحرفة وتعلقي بها جعلني أرغب بالاستمرار وتعليمها لأشخاص آخرين لتستمر، خاصة أن هناك إقبالاً وفضولاً من جيل الشباب لتعلم هذه الحرف القديمة رغم وجود بعض الصعوبات بتأمين المواد اللازمة للعمل وغلاء أسعارها والافتقاد لمصادر الطاقة التي نحتاجها للعمل».
تميّز فنّيّ
الفنانة شاركت مع فريق المحترف والجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية بعدة معارض كرست اسمها في مجال الحرفة وعرضت لأعمال مميزة، وبالنسبة للفنون الأخرى فهي رسامة قصص أطفال شاركت بعدة ورشات تخص رسوم الأطفال، وتعمل مع جهات مختلفة منها مجلة "شامة" و"أسامة" ومجموعات من القصص وبوسترات لمسرحيات أطفال كما توضح.
وتضيف: «أنا من مواليد "دمشق" عام 1993، تخرجت من كلية الفنون الجميلة عام 2016، ونلت شهادة دبلوم العلوم السينمائية وفنونها عام 2017، إلى جانب عملي في المحترف ومدربة للحرف التراثية والتقليدية، ورسامة أطفال ويستهويني كل ماله علاقة بالفنون من سينما ومسرح وموسيقا، كما لدي تجربة في فيلم قصير وقمت بتصميم عدة بوسترات للمسرح القومي».
احترافيّة وطموح
يرى "جوني غاربييان" وهو مدرب وصاحب محترف متخصص بالحرف التراثية، أن أمام "رند" فرصة كبيرة في مجال تنزيل "المينا"، فقد تعلمت وعملت بجدية كاملة وإتقان لكافة المعلومات والمهارات من خلال المحترف.
ويقول: «نقدم من خلال دورات المحترف كل ما يرتبط بالمينا وغيرها من الحرف، وكل من تلاقى ميوله مع هذه الطريقة ومنهم "رند" التي تطور عملها بشكل جميل وحقق النجاح بتقديم أعمال مميزة».
ويضيف: «هي حالياً مدربة لحرفة توشك على الاندثار ولديها هدف ينسجم مع كل متدربي المحترف، وهو إحياء الحرفة ونشرها والتعريف بها، وقد شاركت بدورات تدريبية وقدمت جهداً كبيراً خلال ثلاث سنوات، ونحن هنا لا نتحدث عن متدربة بل عن فنانة من بين أسماء معدودة على مستوى "سورية" نجحوا في تقديم "المينا" بشكلها الجميل والمهارة المطلوبة، وصنعت اسمها ولها زبائن يقصدونها للحصول على أعمال تحمل عبق التراث وجماله ولها مستقبل أتوقع أنه جميل نسبة لطموحها وتميزها».
تسير الشابة بخطوات ثابتة ومتوازنة لتقدم عشقها للحرفة إلى كل من أحبها ورغب بتعلمها أو اقتناء عمل أنجز بمهارتها المعهودة، وتعرف أن الحرفة العريقة التي اكتسبتها من محترف بهذه العراقة لن تندثر رغم الصعوبات طالما هناك أشخاص تعمل للحفاظ على التراث وحمايته ليستمر ويتجدد.