تشير النقوش المنحوتة على الصخور في قرية "مجادل" بريف "السويداء" إلى روح التعاون والتكافل التي كانت سائدة بين أفراد المجتمع قبل ألفي عام، وهي دلالة على ما تحمله تلك الحقبة الزمنية التاريخية المهمة من رؤية في تكوين وتنمية الحياة الاجتماعية.
نقوش راسخة
يقول الباحث التاريخي الآثري الدكتور "نشأت كيوان" لموقع مدونة وطن eSyria : "يبدو أن الماضي يصر على تذكيرنا وإعطائنا دروساً في التكاتف والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد، وفي العمل الجماعي والمبادرات الجماعية والفردية التي تعد الأساس في نجاح أي مجتمع، وهنا قرية "مجادل" في الريف الغربي من محافظة "السويداء" تقدم لنا نموذجاً منذ حوالي ألفي عام على تكاتف أبنائها لخدمة قريتهم، فقد عثر على العديد من النقوش الكتابية القديمة وأغلبها باللغة اليونانية تشير إلى هذا الموضوع، فقد عثر على حجر في أحد البيوت نقشت عليه كتابة يونانية ضمن ما يسمى خرطوش، تشير إلى أنه في السنة السادسة من حكم الامبراطور "ماركوس اوريليوس سيفيروس ألكسندر" قام المواطنان "اوريليوس مارينوس" و"وهب الله بن ابجر" بتشييد مبنى من وقف القرية وبإشراف ومتابعة من أعضاء المجلس في القرية، أو ما نسميه حالياً المجلس البلدي، وهذا يدل على تنظيم إداري وهذا نراه في العديد من القرى والبلدات القديمة في المنطقة وغيرها من المناطق في "سورية" .
ويتابع الباحث "كيوان": تلك النقوش تشير إلى أن هذين المواطنين شيدا بيتاً بمساعدة وقف القرية وعلى أرض قدمها مواطنان آخران، أي أن التشييد والتمويل والأرض كانت مسألة تعاون مثمر بين كل هذه الجهات وهذا دليل آخر على التعاون من جهة والمحبة من جهة أخرى.
تكافل اجتماعي
ويبين "كيوان" أن أبناء القرية في ذلك الزمان وثقوا في إحدى النقوش الكتابية اليونانية القديمة أن من شيد أحد المباني هم ورشة عمل مؤلفة من "ماسك بن تونزيكوس" المعمار الثاني و"عزم بن زاباي التلميذ "وديونيسوس وبازيلكيكوس" المؤمنان و"غوث المعمار" أي تعاضد معلم البناء "المعمار" مع التلميذ، أي العامل معه والمعماري الثاني ويقصد به على الأرجح مساعده، والمؤمنان وهما من شاركا في التشييد".
بدوره يؤكد الباحث الأثري "خلدون الشمعة" رئيس دائرة الآثار في "السويداء" أن هذا التعاون بين أبناء القرية وصل إلى صلة الرحم بين الأقارب، وهذا ما نلمسه من النقوش التي حوت على نص كتابي قديم يذكر أن المواطن "اوريليوس قرين بن تاسيط" بعد أن ماتت بنات أخيه بنى وبكلفة عالية ومن حسابه الخاص وبمساعدة طيان، مبنىً لأخيه وهذا نوع آخر من أنواع التعاضد المجتمعي الأسري في السراء والضراء".
وينوه "الشمعة" أن نقشاً كتابياً آخر يوثق حالة من التشاركية في بناء أحد المدافن المؤلف من عدة معازب أو حجرات ضمنه لأب وابنه وربما أقاربه، وفي نص يوناني على حجر مبني في جدار ضمن بيت شمالي القرية يذكر أن "اوريليوس زينوبيوس بن شاغي" بنى أحد الأبنية بمبلغ 11200 دينار وعلى نفقته الخاصة.
ويضيف "الشمعة": "في نص كتابي آخر يذكر أن الوالي أي الحاكم واسمه "مكسيموس" قدم أرضاً لبناء قبر فيه محراب لوضع تمثال بداخله، ولم يقتصر هذا الشخص الذي ربما كان مسيحياً على تقديم الأرض بل تبرع بكلفة تشييد القبر، ومن المؤكد أن كل هذه النصوص تقودنا إلى إدراك أن العامل الإنساني والاجتماعي كان الاقوى في المجتمع المحلي في القرية خلال العصرين الروماني والبيزنطي على الأقل، حسب تاريخ هذه الكتابات القديمة وهو نموذج فريد لحالة التكافل الاجتماعي".كان الاقوى في المجتمع المحلي في قرية مجادل في العصرين الروماني والبيزنطي على الاقل حسب تاريخ هذه الكتابات القديمة وهو نموذج فريد لحالة التكافل الاجتماعي.