منذ ما يقارب الـ47 عاماً حط "ألياس يعقوب" رحاله في "غوادلوب"، وهي جزيرة فرنسية صغيرة من جزر الأنتيل في البحر الكاريبي عاصمتها "باس تير"، وعدد سكانها 400 ألف نسمة وهم من أصل إفريقي كاريبي، وتعيش فيها أقليات من الأوروبيين واللبنانيين والسوريين، هناك أسس "يعقوب" النادي العربي الغوادلوبي منذ 30 عاماً، وترأس إدارته حتى يومنا هذا، مزج فيه الحضارة العربية مع حضارة جزر الأنتيل.
مَيسي
يتحدث "يعقوب" عن تجربته الأدبية في بلاد المهجر، ويشير بداية إلى أن اللقب المحبب إلى قلبه مرتبط بتقليد قديم مازال سائداً حتى اليوم في قريته "عمار الحصن"، فالشخص المسمّى "الياس" ينادى "مَيسي" ويعني الغصن الغض الطري.
ينحدر "يعقوب" من قرية عمار الحصن في وادي النضارة عام /1949/ ، ويحمل إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1972، جرى تعيينه مدرساً في بعض القرى، ثم هاجر إلى "غوادلوب" عام 1977 وعمل في تجارة الأقمشة، وظل شغف الشعر حاضراً في غربته.
نشاط أدبي
للشاعر خمسة كتب مطبوعة، أهمها كتابه بعنوان "الرحيل الكبير"، المطبوع منذ 14 عاماً باللغة الفرنسية، تناول فيه تاريخ الجاليتين السورية واللبنانية، وقد حاز شهرة واسعة في البلاد، وتحدث التلفزيون "الغوادلوبي" عنه لمدة سنة كاملة في برامج خاصة، حيث استعرض فيه الحضارة السورية القديمة، ودور المرأة الفعال في المجتمع، ولاحقاً عن أسباب تأثر هذا الدور بفعل الحرب، كما كتب الشعر العمودي الكلاسيكي، ويشير الشاعر "يعقوب" إلى وجود ديوان مطبوع بعنوان "الهوى والشباب" من 400 صفحة، وعلى شرف الديوان تم إحياء أمسيات شعرية في بعض الجامعات السورية، ومنها جامعة الحواش الخاصة، وفي رابطة الثقافة في الوادي، وأدرج الديوان في الموسوعة الأدبية لوادي النضارة .
ويتابع: "من خلال تجربتي الأدبية في المهجر رأيت أن قلة من المغتربين تفهم الشعر العمودي، فاتجهت إلى كتابة الزجل القريب من العامية إلى جانب الكلاسيكي، ومنهل شعري مستقى من الأحاسيس والتجارب الانسانية التي عشتها".
الأدب المهجري
أسس "يعقوب" النادي العربي الغوادلوبي منذ 30 عاماً، وترأس إدارته حتى يومنا هذا، مزج فيه الحضارة العربية مع حضارة جزر الأنتيل، من خلال الحفلات واللقاءات والأمسيات الثقافية على مدار العام، وكان التواصل مع سكان البلاد الأصليين محدوداً لجهلهم باللغة العربية، إلا أنهم ينظرون إلى النادي نظرة احترام لانفتاح الجالية على الحضارات وتأثيرهم فيها، على المستوى الثقافي والتجاري والإنساني، ومنذ سنوات افتتح في النادي مدرسة لتعليم اللغة العربية مازالت حتى اليوم، كذلك افتتحت أول كنيسة للعرب.
وبرأيه فالغربة تضخ في وجدان الشاعر الحنين للوطن، بتفاصيل بسيطة تتجلى في زواريب القرية وأهلها، عيون الماء، أشجارها وجبالها، صباياها وأصدقاء المدرسة، والكثير، ناهيك عن الحضارة السورية التي تستوطن قلبه، وشبّه انتشار السوريين في العالم بالعِقد الذي من واجب الأدباء جمع حبّاته المتناثرة .
ولأن العين هي أداة الإحساس بجمال المرأة والطبيعة الملتحمة بعشق الوطن، يكتب الشعر (غفلة) أي عند اقتحام جنيّ الشعر المخيلة، ولن يتوقف عن كتابة الشعر إلا بتوقف حاسة البصر التي هي صلة وصل بينه وبين هذا الجمال الحسي .
ومن قصائده:
"حَنِينْ إلى عمارْ
نِبعِدْنا وطالْ المشوارْ
ومهما بعدتْ سَفْرتنا
قلوبْ الكلْ بغربِتْنا
بتبقى عليكِ الروحْ تغارْ
منرجعْ لك.. يا ضَيْعتنا
بنحلفْ بترابِكْ يا عمار"
دور النادي في اندماج الحضارات
جسر تواصل
الباحث والأديب الدكتور "جودت إبراهيم" يضيء على دور الشاعر "مَيسي" المهم في إنعاش الشعر الكلاسيكي والزجلي في "غوادلوب"، ويقول: "بالإضافة إلى دوره الإنساني والثقافي الملموس، من خلال ما قدمه للجالية السورية واللبنانية هناك، بدءاً من تأسيس النادي العربي الغوادلوبي عام 1992 حتى الآن. وتأمين دورات لتعليم اللغة العربية باسم النادي مجاناً، وظل دؤوباً على تقديم المساعدة لأبناء بلده في الوطن والمهجر، وهو أول من افتتح كنيسة عربية فيها، وجعل من النادي العربي جسراً للتواصل بين حضارتين مختلفتين، فألّفَ كتاباً باللغة الفرنسية بعنوان "الرحيل الكبير" ، وكتب تاريخ الجالية السورية اللبنانية في "غوادلوب" والأنتيل، لا يزال مطلوباً في المكتبات وعلى شاشة التلفزيون، كما ألّف عدة كتب منها "عمار بين الوطن والوطن" منذ أكثر من 35 عاماً، و ديوان شعر مطبوع عام 2017 بعنوان: "الهوى والشباب" يقع في 400 صفحة تجليد فني، اتبع فيه الشعر الكلاسيكي العمودي مع عدة قصائد مقفاة حديثة موزونة، بالإضافة إلى ديوانه الغزلي "طال السهر"، وكتاب " تاريخ عمار" باللغة الفرنسية والإنكليزية والعربية، أما قصائد الزجل والمناسبات فهي بانتظار الطباعة.
نافذة على الوطن
في نفس السياق يقول المغترب "نيكولا إبراهيم" لمدونة وطن: "نعتبر النادي الغوادلوبي صوتنا السوري هنا، وما قام به من نشاطات حافظت على الروح السورية المهاجرة بالجسد فقط، ودور النادي ريادي في الحفاظ على هذه الهوية، من خلال الحفلات والأمسيات الشعرية واللقاءات الاجتماعية، لتكون كفيلة في تخفيف قساوة الغربة والابتعاد عن الأهل والأصحاب، والدور الأهم هو تعليم اللغة العربية لأولادنا، خاصة ممن تزوج من امرأة غوادلوبية تجهل لغتنا الأم، وتعريفهم بحضارة بلدهم بعد انغماسهم الكامل في المجتمع الغربي، بالإضافة إلى الاضطلاع على آخر أخبار الوطن، وتمضية الأوقات المسلية للهروب من ضغوطات الحياة، وهناك توافد كبير من كافة الأعمار إلى نشاطات النادي، ومعظمنا ينتظر الحفلات لسماع الموسيقا والأغاني العربية والرد على أسئلة أولادنا عن اسم هذه الآلة وتلك، والسعادة بأسئلتهم الفضولية، فما قام به الشاعر "مَيسي" علامة فارقة في تاريخ الجالية ويستحق التقدير .