تعد قرية "حابا" إحدى أجمل قرى محافظة طرطوس، والتي حافظت على طابعها التاريخي وطبيعتها البكر، ولم تتعرض للتشويه العمراني الجائر، فضلاً عن طبيعتها الخلابة المحاطة بالجبال الخضراء والوديان الغناء.
"حوبو" السريانية
في الجهة الشمالية الشرقية لمحافظة طرطوس، وعلى بعد 60 كم، تتربع قرية "حابا" على رابية تحيط بها أربعة جبال مكسوة بالزيتون وهي "القلّوب، العيدمة، الركزة، وضهر السليط"، وتبعد عن مدينة صافيتا 25 كم، وتتبع إدارياً لناحية البارقية، كما ترتفع عن سطح البحر 400 م، وقد اشتق اسم القرية من كلمة سريانية وهي "حوبو" وتعني الحب، بحسب رئيس بلدية القرية "نضال ديب" الذي يضيف في حديثة لمدونة وطن: "يبلغ عمر القرية نحو 800 عام، تحتوي على مقابر رومانية ونواميس حفرت في الصخر، إضافة إلى مزار القديس "سمعان العمودي"، والذي تحيط به مقبرة تاريخية، يقدر أنهما يعودان إلى القرنين الخامس والسادس الميلادي، ويعد هذا المزار من أهم المعالم التاريخية للقرية، ووجهة للسياحة الدينية فيها، إذ تحتفل فيه "حابا" بعيد شفيعها القديس "العمودي" في 13 أيلول من كل عام مع أهالي المناطق المجاورة، ويكون الاحتفاء بطقوس خاصة، شبيهة بالمهرجان وتستمر لعدة أيام، كذلك تحتوي القرية على كنيسة رقاد السيدة وهي كنيسة قديمة، شيدت في أوائل القرن العشرين، بواسطة الحجر الأبيض على طراز العقد".
ويشير" ديب" إلى أن عدد سكان "حابا" يبلغ 3000 نسمة، وتعد الزراعة العمود الفقري للاقتصاد، خاصة شجرة الزيتون والحمضيات، وأجمل ما يميز هذه القرية برأيه غيرة أبنائها الذين ساهموا في دعم المشاريع الخدمية في القرية.
على أطلال الماضي
يحرص أبناء قرية "حابا" على حماية إرثهم التاريخي ونقله للأجيال اللاحقة، ومحاولاتهم بأن لا يطمس اجتياح الحداثة هذه المعالم، وإعادة إحيائه بطرق مميزة، كاستثمار بعضه بأسلوب حضاري جاذب، مثال على ذلك بناء الراحل "إبراهيم زيد الخوري" لمعصرة الزيتون في عام 1942، وفيما بعد حوّلها حفيده "فؤاد الخوري" إلى مطعم في عام 2009، وهنا يبين "فؤاد الخوري" الملم بتاريخ القرية، ان المطعم احتفظ بهيكل البناء القديم من الداخل، المبني بقطع الحجر وسقف العقد، يعجّ بالأدوات التراثية الحديدية والنحاسية القديمة ليتراءى للضيف وكأنه بزيارة متحف تاريخي، مشيراً إلى العادات والتقاليد التي مازالت سائدة في القرية البكر.
تميز تعليمي
ويؤكد "الخوري" ارتفاع نسبة الأكاديميين في القرية الذين تجاوزت نسبتهم 90 %، من مهندسين وأطباء وأدباء وغيرهم، ومنهم من تجاوز اسمه حدود الوطن مثل الطبيبين "هيثم عطيلة" و"باسل ديب" اللذين أصبحا على مستوى عالمي في اختصاصهما.
ويتابع" الخوري" حديثه بتأكيد تميز كافة قرى صافيتا بشغف العلم والتعلم منذ القدم، ومنها "حابا" التي انتشر العلم فيها منذ عام 1900، فقد عاصر أبناء القرية الراحل "نائل حبيب" المعروف باسم "ناييل" المولود عام 1904، وكان معروفاً بإتقانه القراءة والكتابة والحساب، ما يدل على انتشار العلم في القرية في تلك الحقبة، أما من كانوا من مواليد عام 1925 وما بعده، فقد تتلمذ معظمهم على يد "عيسى طنوس" المعروف باسم "عيسى المعلم"، وهو الذي لقّن العلوم لأبناء قريته بواسطة الكتب المتاحة آنذاك مثل كتاب "الإنجيل المقدس" وكتاب "مجال الأدب" الذي يحتوي على القصائد والنوادر، وكتيبات تحتوي على القصص القصيرة و(الحزازير) وغيرها، بالإضافة إلى حفظ جدول الضرب.. استمر" المعلم عيسى" بالتعليم لغاية 1949 وكان أجره عبارة عن كميات من (القمح، الذرة، العدس، الحمّص، الزيت والسمن)، يتقاضاها من أهالي التلاميذ في نهاية كل موسم دراسي، وكان العراء هو المدرسة الصيفية للتلاميذ، وفي فصل الشتاء يجتمعون داخل قبو ويجلسون القرفصاء على حصيرة حول الموقد، ووجب على التلميذ أن يحضر معه يومياً قطعة من الحطب للتدفئة، وبقي الحال على ما هو عليه، حتى تم بناء مدرسة حكومية عام 1949، أثناءها كان على الطالب أن يدفع راتباً شهرياً للمعلم، وهو عبارة عن ليرة ونصف، يتابع فيها تحصيله العلمي حتى السرتفيكا (الصف السادس حالياً) فالبروفيه حتى الجامعة، ولاحقاً تم بناء مدرسة من تبرعات الأهالي وريع الحفلات التي أحياها كبار المطربين أمثال (وديع الصافي ونصري شمس الدين والمطرب الزجلي نسيم النبع) وغيرهم.
تحديات تنموية
بدوره يبدي الشاب الجامعي "خالد ابراهيم" ابن "حابا"، أسفه لعدم معرفة العديد من أبناء المنطقة أهمية المعالم التاريخية في القرية، فالمقابر والنواميس المتواجدة فيها عبارة عن غرف صخرية كانت منحوتة بشكل ملفت، وكما هو متداول فقد كانت تحتوي على مجرى للمياه النقية، تحول بعضها إلى مصارف للصرف الصحي، ويأمل أن تكون هناك توعية في هذا المجال للحفاظ على ما تبقى من معالم القرية التاريخية، كما يشير إلى دور المجتمع الأهلي الفعال في نهضة "حابا" على جميع الأصعدة وخاصة الثقافية والاجتماعية، وهناك دوماً رؤى مستقبلية في استثمار المقومات المتاحة في القرية، مثالاً على ذلك تنشيط السياحة الدينية، من خلال تنظيم "مهرجان عيد مار سمعان العمودي" الذي يستقطب مئات الزوار من القرى والمناطق المجاورة، وتأمين المواصلات إلى القرية ومعالجة مشاكل الانترنت، مع التنويه إلى دور المغتربين من أبناء القرية الذين يساهمون بشكل فعال في دعم البنية التحتية من جهة والمشاركة في جميع المناسبات الاجتماعية والإنسانية والثقافية وغيرها من جهة أخرى .