لأكثر من سببٍ وملمحٍ ثقافي؛ يجعلني لا أتردد في وصف الكاتب السوري علي صقر ب"الظاهرة" في الساحة الثقافية السورية.. ظاهرة ليس لتعدد الأنواع الإبداعية التي خاضها، فقد كتب القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، ثم كتب النص المختلف الذي يوالف من خلاله بين الشعر والقصة، إضافة لتخويضه في المسرح كتابةً وإخراجاً.. ذلك أن الكثير من المبدعين خاضوا مثل هذا التنويع الإبداعي، وليس مقتصراً على علي صقر وحده..
غير أنّ المختلف؛ كان في صياغة كل ما تقدّم بأسلوبٍ، لا يمكن أن يكون غير أسلوب علي صقر، الذي يُمكن أن نقرأ ملامحه في الكثير مما صاغه سرداً أدبيّاً ومسرحاً، سواء على صعيد الصياغة، أو على صعيد الأمكنة التي حاول أن يُقدّم فيها عروضه المسرحية.
ثلاثة ملامح
فعلى صعيد الصياغة؛ فقد كان لعلي صقر، أن جمع بين ثلاثة اتجاهات، تبدو من الصعوبة بمكان جمعها معاً، وأولها البداهة والعفوية، وهي أولى ملامح نص علي صقر، حيث الأفكار التي تأتي تدفقاً عفوياً كالسواقي، لا قسر فيها، ولا تعباً، تماماً كطفلٍ قرر أن يرسم شجرة بجوار جبلٍ، حيث تبدو الشجرة أكبر، وأكثر ارتفاعاً من الجبل، وهو ما يقودنا إلى الملمح الثاني في شغل علي صقر، وأقصد بذلك (السوريالية)، لكن ليست السوريالية كما في منشأها الأوروبي الأول، وإنما السوريالية ذات التوليفة الخاصة جداً التي تجعل الواقع في أشدِّ الحالات سورياليةً.. بمعنى سيتوه المتلقي بين حقيقة ما يراه واقعاً، أم هو في المكان الأبعد من وراء الخيال والتخييل.. كل ما تقدّم يوشيه علي صقر بأجمل ملامحه، وهو الملمح الثالث الذي يتمثل بالسخرية والتهكم في أجمل مظاهره..
طبعاً من نافل القول إن التفصيل السابق، والفصل بين الملامح يأتي كدراسة فقط، ذلك أن تلك الملامح تأتي دفعةً واحدة متماهية، حيث لا يكاد يخلو منها نص من نصوصه، سواء في القصة القصيرة المتعارف على طولها، أو في القصة القصيرة جداً.. حيث يعود له تسجيل أقصر قصة قصيرة في سورية، والتي لا تتجاوز المفردتين..
بهذه الملامح السابقة، قدّم علي صقر في القصة القصيرة كما يشير : لعتمة كانون لونٌ أخر، رغبات شرقية، دكان الصدمة وغيرها.. وفي القصة القصيرة جداً يضيف صقر :شاركت في ملتقياتها ومهرجاناتها الكثيرة، وصدر لي: قصة التسعينات في سوريا، وبروق وفي الكتابة المسرحية، كتبت واخرجت عشرات العروض المسرحية التي غالباً هي من نوع (المونودراما)، تلك العروض التي فيها شخصيات النص ممثلٌ واحد يقوم بالأدوار كلها.. ولعل كان من أهمها: لهاث، وهذيان..
تلك العروض التي لا يشترط فيها خشبة مسرحية كما هو متعارفٌ عليه، فقد يقدم العرض في باصٍ للنقل الداخلي على سبيل المثال، أو في عربة يجرها حصان، أو حتى في مقهى..
تميز بالاختلاف
يقول الشاعر والمترجم السوري الدكتور عبدو زغبور عن تجربة علي صقر: " علي صقر، المحروق كبصلته بمكائد الحياة، يطلُّ علينا مع ذلك، بشوشاً كنجمةٍ نادرة.. يضيءُ بعض هواجسنا التي نحاول إخفاءها في جذوة العواطف.. يمشي جريئاً على خجلنا، مثقوب الحذاء والقلب، بجيوبٍ فارغة ولسانٍ ممتلىء بالمسرّة، والهواجس والأحزان.. يؤجج فينا نيران اللوعة لحياةٍ أفضل وأكثر كرامة.. لاذعاً بسخريته المرّة التي تشملنا جميعاً.. يختلف عنا جميعاً، ويتميّز عنا باختلافه هذا.. يكتب هذيانه كلُّ ما تبقى له، وحيداً، مقهوراً وعاجزاً.." ويُضيف: كان رامبو – الشاعر الفرنسي- يتناول المخدرات لكي يهذي.. علي صقر، يتناول المهدئات لكي يكفّ عن الهذيان.
فيما تقول عن تجربته مديرة المسرح القومي بطرطوس غادة عيسى : "كاتبٌ يكتبُ نفسه، ويكتبنا إذا خطرت على باله الكتابة، لا ينظر إلينا، ولكنه يشعلُ شموعاً في داخله، فيرانا كما ولدتنا الظروف والمحن، عراةً من كلِّ ما يستر جوعنا وحزننا".. وتردف: دائماً ثملٌ بخمرٍ من فكر أينعت عناقيده، فعصرهُ وعتٌقه كلّ يومٍ بسنة، يخلخل جسده بضحكة منزوعة الجذور.. ويقول: أنا سابقٌ عصره، فدعه يلحق بي، إنه عصري الذي ضيّعني حتى ضعت من نفسي، وصرتُ أبحث عني، حتى إن سألتموني وأنا أمشي إلى أين المقصد؟ جوابي دائما: لا أدري!!
كثيرةٌ هي كلمات الكاتب علي صقر، إن جمعتها كانت بركاناً يفور، وإن رصفتها قادتك إلى إنسانٍ حساس حتى المحطة الآخيرة من الحياة.. إنه "فتحة ضمة كسرة" كما عنون إحدى مسرحياته..
ق ق ج
محضر ضبط
- اختصر يا أبني
وإذا بسيارةٍ سوداء معتمة تسيرُ باتجاهٍ مُعاكس!!
قلتُ لكَ اختصر، يعني اختصر!!
سيدي: الدفن بعد صلاة الغائب!