تصدرت صناعة الكروشيه منذ القرن التاسع عشر قائمة الصناعات النسوية التي ساهمت في دعم المجتمعات المتضررة من الحروب أو تلف المحاصيل الزراعية، وأصبحت وسيلة إضافية لكسب الرزق، وفي سورية نتيجة الظروف الاقتصادية القاسية، تحولت حياكة الكروشيه إلى باب رزق مؤازر لكثير من الفتيات والنساء، ناهيك عن جمال شكل الكروشيه في استعمالاته المنزلية المتعددة.

إبداع شخصي

تستعرض الشابة "كنوز محسن" في حديثها لمدونة وطن، عملها في فن الكروشيه الذي بدأ في عمر مبكر، وهي ابنة 29 عاماً من قرية بعمرة- صافيتا، وخريجة كلية الفنون الجميلة، قسم الرسم والتصوير المرتبط بمعظم الفنون ومنها الكروشيه، والذي يعتمد على الصبر وإتقان دمج الألوان والممارسة.

تعلمت الشابة أساسيات الغرز من والدتها بسن صغيرة، ثم انطلقت وطورت نفسها بالتدريب المستمر، تبتكر دوماً الجديد في أعمالها، باعتمادها على نوع الخيط وجودته مثل الصوف والقطن والمكرميه والخيش وغيرها، ويختلف قياس الصنارة (الإبرة) تبعاً لنوع الخيط والقطبة، وهناك العديد من قطب الكروشيه تبرز جمال الخيط وشكله.

كنوز محسن وبعض أعمالها

توضح الشابة كيفية اعتمادها على نوعين رئيسيين من الغرز لتعزيز دقة ومتانة القطعة، وبرأيها يختلف سعر القطعة حسب الحجم والتفاصيل وسعر خامات الخيط المستخدم، كذلك ترتبط الأسعار مع إضافات أخرى خاصة بالتزيين باستعمال الخرز أو الأقمشة أو الإكسسوارات المعدنية وغيرها، ناهيك عن المجهود الشخصي لأنه عمل متعب ويحتاج للوقت.

معوقات وصعوبات

تشير "محسن" إلى تجربتها في هذا المجال وتؤكد أن مردود الكروشيه لا يكفي لإعالة عائلة بشكل تام، لأنه يخضع لعدة عوامل ثقافية واقتصادية، بالإضافة إلى استحالة إنتاج أعداد كبيرة من القطع بسبب الجهد المبذول والوقت الطويل للانتهاء من الطلب، ناهيك عن الصعوبة في تأمين المواد المطلوبة في السوق، وإن وجدت فالأسعار متذبذبة وفي تصاعد دائم، ما ينعكس على سعر القطعة، وبرأيها أنه كلّما تزايدت كمية قطع الكروشيه الجاهزة للبيع من ملابس أو أغطية للأسرة أو طواقي او حقائب، نستطيع القول إن هذه المهنة منتجة مادياً ليكون محترف الكروشيه معيلاً للعائلة، وتشير إلى أنه حالياً هناك تراجعاً كبيراً على الطلب، بسبب ضعف ثقافة العمل اليدوي وجماله لدى البعض وخاصة الكروشيه الذي يعد مهنة تراثية، وتفضيلهم للبضاعة المصنعة آلياً، وهذا مفهوم خاطئ.

كروشيه متنوع

تروج "محسن" لمنتجاتها، حسب قولها، عبر صفحتها الخاصة على الانترنت، وحالياً تعمل كمدرسة روضة في الفترة الصباحية، وتعمل في الكروشيه مساءً، وتطمح لتوسيع مجال عملها وافتتاح ورشتها الخاصة التي تعنى بالعمل اليدوي، وتسعى إلى الاشتراك بمعارض على المستوى المحلي والعربي مستقبلاً.

وتأمل"محسن" بزيادة الوعي اتجاه العمل اليدوي التراثي وتقدير مجهود العامل به، وتغيير قناعة أن العمل اليدوي أرخص بالسعر من الآلي، وهي الفكرة الشائعة للأسف، وهناك أسبابا أخرى تؤثر على الطلب كغلاء المعيشة حالياً، وبعض الأشخاص الذين ينتجون قطعة سيئة ويخدعون الزبون، بالتالي فقدان المصداقية، ما يترك ردة فعل سيئة تجاه العمل اليدوي.

جيسيكا خاشو مع بعض أعمالها

غير تقليدي

أما "جيسيكا خاشو" من صافيتا 27 عاماً، والتي تنتمي لعائلة تحيك معظم نسائها أشكال الكروشيه المتنوعة، دخلت إلى هذا العالم الاحترافي منذ سنتين، لشغفها بهذا العمل القادر على منحها مساحة كبيرة من التفرد والإبداع، فتعلمت مبادئ العمل، إلا أنها ذهبت في منحى مختلف عن التقليدي وبدأت في صنع الألعاب والحقائب والإكسسوارات، التي تحاك بعدة قطب أو كما هو متداول (غرزة) وأشهر الغرزات المتداولة هي (الحشو، منزلقة، عمود بلفة، عمود بلفتين، وغرزة الباف) ، ومعظم تصاميمها من وحي خيالها الذي يتناسب والطلب، وبرأيها أي مهنة قابلة للتطور ومحاكاة العصر، فالجيل الحالي تختلف متطلباته عن الجيل السابق وبالتالي كان لا بد من البحث في مواقع التواصل الاجتماعي عن أفكار جديدة وتنمية المهارات، والتنوع في هذا المجال.

وتضيف: "الكروشيه سلعة كمالية، قد تكون في حالات خاصة أمراً رئيسياً لمن يعشق اقتناء الأشياء المصنوعة من الكروشيه وبالتالي يشتريها، والطلب دوماً ما بين جيد أو عادي، يرتبط بالوضع العام أو بوجود المغتربين الذين ينعشون العمل بشرائهم لكميات أكثر من الحالات العادية".

ولا بد من التوقف عند أسعار المواد التي ترتفع باستمرار خاصة خيط (الكليم) المستخدم في صناعة الحقائب النسائية، ويفتقر سوق صافيتا لخيوط الكروشيه، لذلك تحضر "خاشو" مستلزماتها من طرطوس التي بدورها تفتقر لمعظم الخيوط والألوان والأدوات، وهنا تكون الوجهة إلى دمشق.

ويخضع سعر القطعة لدى "جيسيكا" لموديل الحقيبة والوقت الذي تقضيه في حياكتها، تبدأ الأسعار من 100 ألف ل.س، وترتبط الأسعار بسوق الشراء، فعندما يرتفع سعر المستلزمات يرتفع سعر قطعة الكروشيه، وبالعكس، وبرأيها فإن بيع قطع الكروشيه يؤمن دخلاً جيداً إلا إنه غير ثابت، وتأمل أن تكون هناك معاهد لتعليم الصبايا والسيدات أو أي شخص يحب فن الكروشيه، أو عن طريق اليوتيوب الذي يعلم الأساسيات من الصفر، لأنه وسيلة رزق مهمة في الظروف الحالية.

بدورها السيدة "سعاد ديب" تعشق اقتناء قطع الكروشيه في منزلها بدءاً من الأغطية بأحجام مختلفة، الموزعة في غرف المنزل حتى الزينة.

ومؤخراً تجد "ديب" صعوبة في شرائها نظراً لارتفاع أسعارها، ليكون هذا حافزاً لها في تعلم هذا الفن من خلال الانترنت، وبرأيها عندما يحب المرء شيئاً ما سيتعلمه بسرعة، وتأمل هي ذلك حتى تحوكه لمنزلها ولبناتها وربما فيما بعد يكون عملاً ودخلاً إضافياً لها .