لا تزال العديد من المنحوتات البازلتية في منطقة جبل العرب تخفي وراءها ومنذ أكثر من ألفي عام الكثير من أسرار الأقدمين، فيما لا يزال فك شيفرة هذه المنحوتات عصياً على الأبحاث والتنقيبات الأثرية حتى الآن.

طقوس خاصة

يؤكد الباحث الأثري "حسن حاطوم" لمدونة وطن eSyria" أن من بين المنحوتات المكتشفة ما يحمل زخارف النسر والأفعى، وجرى نحتها على أبواب منازل الأقدمين في منطقة جبل العرب، وهي تعد نقوشاً لها مدلولاتها الدينية، وتحمل بين طياتها تقريراً مفصلاً غير مكتوب عن الواقع الديني والاجتماعي لمن أتى هذه المنطقة ساكناً ومستوطناً، حيث حملت هذه الزخارف قصة شعب له طقوسه الخاصة به، منهم من كان يمارسها ظاهراً ومنهم من كان يمارسها في السر.

ويضيف "حاطوم": إن الزائر لمتحف السويداء سيجده محتضناً منحوتة تعود للعصر النبطي، وهي لنسرٍ تلتف على جسمه أفعى، وهي على الأغلب ترمز إلى الصراع ضد الظلام، حيث يرى الباحث الفرنسي "سيربغ" أن الأفعى لها علاقة بأشعة الشمس وهي تجسد شروقها، والنسر يرمز لرب الشمس، ومن يخرج من المتحف قاصداً قرية "سيع" وتحديداً معبد بعل شامين، سيشاهد ذلك النسر الفارد جناحيه على باب هذا المعبد، وعيناه ما زالتا ترنو للبعيد.

من النقوش القديمة في متحف السويداء

دلالة دينية

الباحثة لينا الصفدي

ويتابع الباحث حديثه بالقول: "المتجول في أرجاء قرى وبلدات جبل العرب، سيلحظ أن معظم أبواب بيوتها القديمة تحمل هذه النقوش، وهذا يدل على أنها ذات قيمة دينية والكثير من السكان الحاليين ذهبوا برمزيتها بعيداً، فهي من وجهة نظرهم دلالة على وجود لقى أثرية، لذلك كانت تتعرض في الكثير من الأحيان للعبث والتخريب".

للنسر دلالة دينية هامة، حسب ما يقول" حاطوم" لذلك حرص الأقدمون على نقشه على أبواب المعابد كما أسلفنا كمعبد بعل شامين في قرية "سيع"، وقد بقي النسر مصدر إلهام لسكان المنطقة، ما دفعهم لنحته بأشكال مختلفة، وقد عثرت البعثات الأثرية التي زارت المنطقة على تماثيلَ لنسرٍ صغير، حيث يمكن تصنيفه ضمن مجموعة التماثيل الجنائزية أو النذرية.

الباحث حسن حاطوم

لوحات زخرفية

بدورها، الباحثة الأثرية "لينا الصفدي" ترى أن المتصفح لأرشيف المنحوتات البازلتية في جبل العرب والمحتفظ بها في متحف السويداء سيجد إضافة للمنحوتة التي ذُكرت آنفاً منحوتة أخرى رُسم على صفحتها بطريقة النحت نفراً لشخصين صغيرين يظهر منهما البدن، وبين أيديهما عنقود عنب، يستظلان بجناحي النسر، وبعد الترجمة الأثرية لهذه اللوحة وفك شيفرتها، تبين أن طير الرب "ألا" وهو النسر المطبوع على باب بعل شامي، كان يرافقه صاحبان، هما العزيز الذي يطابق "فوسفورس" اليوناني ويرمز إلى نجمة الصبح، و"مونيم" الذي يطابق "هسبيروس" اليوناني ويرمز إلى الليل، حيث يجسدان صفة الرب بعل شامين.

وتتابع حديثها بالقول: "المنحوتات البازلتية التي عثرت عليها البعثات الأثرية والمرسوم عليها صور النسور لها مدلولها الديني، إضافة لذلك فقد كانت عبارة عن لوحات زخرفية على أبواب المعابد وبعض البيوت المهمة المنتشرة في جبل العرب".