اشتهرت قرى محافظة طرطوس بطبيعتها المرسومة بيد الخالق، وحافظت معظمها على مقوماتها الطبيعية التي أسهمت نوعاً ما في نهوض تلك المناطق على عدة أصعدة، وتعد قرية كفر صنيف بزراعتها وينابيعها وأنهارها ودلائلها التاريخية، شاهداً على حضارة قديمة مرت في ربوع هذه القرية الهادئة.
المزرعة الجميلة
سميت كفر صنيف فيما بعد "قرية المضافة "، وتعني المزرعة الجميلة حسب المهندس "غياث حسن حسن" الموظف السابق في مديرية الخدمات الفنية ورئيس مجلس بلدية بدادا سابقاً في حديثه ل "مدونة وطن"، حول قرية "كفر صنيف" والذي أضاف قائلاً:
ترتفع القرية عن سطح البحر نحو 325 م، وتقع في الجهة الشرقية من مدينة صافيتا التي تبعد عنها 14 كم، وتتبع إدارياً لبلدية بدادا، يبلغ عدد سكانها ما يقارب 2300 نسمة، معظمهم من المثقفين بين أطباء وصيادلة ومهندسين ومحامين ومدرسين وغيرهم من الفئات المتعلمة الذين تجاوزت نسبتهم 90%، يتكاتفون اجتماعياً وإنسانياً فيما بينهم.
ويتابع حديثه: يعمل معظم سكان القرية إلى جانب وظائفهم في القطاع العام بالزراعة، تشتهر القرية بزراعة فاكهة الرمان بشكل أساسي، تدرج المزارعون في زراعتها، بدءاً من الرمان الحلو الخالي من البذور، ليُزرع لاحقا معظم أنواع الرمان، ليصل عدد أشجارها 30 ألف شجرة تقريباً، ويتم تسويق معظم الإنتاج داخلياً، كما يصنع أهل القرية من عصير الرمان المغلي "دبس الرمان" الذي تشتهر كفر صنيف بجودة تصنيعه، إضافة إلى زراعة بعض أشجار الحمضيات، وأشجار الزيتون، حيث تحتل مساحات شاسعة من سهول وجبال المنطقة وبعض المزروعات في البيوت البلاستيكية، وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية البعل 2000 دونم ، ومساحة الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة التي تعتمد على الري 1200 دونم، ولكن خلال سنوات الحرب، واجه العديد من الفلاحين صعوبات شتى تتمحور في تأمين السماد والمحروقات اللازمة للري وارتفاع هائل بتكلفة مستلزمات الإنتاج وتصريفه .
يُشير "حسن" إلى نهر الأبرش، الذي يتميز بجريانه الدائم حتى في فترات الجفاف الشديد، يمر النهر عبر أراضي المنطقة، ويعبر منطقة تُعرف بالدوّار، تحيط بها كهوف ومغاور تمتد لعشرات الأمتار، إضافة إلى ذلك توجد ينابيع مثل عين مرعي وعين التينة وعين المغارة، وقد أقيمت بالقرب منها المقاصف والمنتزهات السياحية التي تتناغم مع الطبيعة المحيطة وتشكيلاتها الصخرية المذهلة. لكن، بسبب الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية، أُغلقت معظم هذه المنشآت السياحية.
معالم شواهد على التاريخ
من المؤكد وجود حضارة قديمة في القرية على حد قول "حسن"، فالمعالم الأثرية ما زالت حية حتى اليوم، كالنواميس والمغارة الصخرية المنحوتة بيد الإنسان، يخرج منها نبع من الماء، إضافة إلى وجود بعض القطع الفخارية والأدوات المعدنية المستخدمة في الحياة العادية والعمل، وقطع حجرية شبيهة بالمكعبات الصغيرة، وكأنها سقطت من لوحة فسيفسائية أو قطعة كانت تستعمل للعرض والزينة، وجد الأهالي الكثير منها قبل وأثناء استصلاح الأراضي الزراعية، لكنها تبقى افتراضات محلية؛ لأن الدراسات الأثرية الرسمية هي المُعتمدة، وأيضاً السد الصغير الذي بناه أجدادنا على مجرى نهر الأبرش منذ زمن غابر، ما هو إلا دليل على وجود حضارة زراعية استخدمت القنوات المائية، حيث تجري المياه فيها عدة أميال بين الأراضي الزراعية، وهو أسلوب متبع حتى يومنا هذا في السقاية، ما جعل تربتها خصبة ومؤهلة لزراعة معظم أنواع الأشجار المثمرة، المسقي منها أو البعل.
تناول الباحث البيئي "إياد السليم" في بحوثه المتعددة البنية الجيولوجية لمنطقة صافيتا وقراها، واكتشف مئات المغاور في الجبال أو بالقرب من الأنهار، (كمغارة الدوّار) التي تقع مباشرة فوق ماء مجرى نهر الأبرش بين قريتي كفر صنيف وقرية بدادا، وهي واحدة من عدة مغاور وكهوف مكتشفة في جبال ووديان تلك المناطق، فبعد الدخول لمسافة 30 متراً تنخفض قليلاً وتمشي مسافة إضافية، تظهر أمامك صالة دائرية مغلقة ملأى بالكثير من الخفافيش التي تستوجب الحذر، و برأي "السليم" فإن المغارة تمتد لعشرات الأمتار وربما أكثر ، والطريق المرئي مطمور بفضلات الخفافيش المتراكمة، التي تشكلت خلال آلاف السنين بارتفاع متر واحد، وهي عائق أمام المستطلعين، حيث تغوص أقدامهم أثناء المشي فوقها.
وأشار "السليم" إلى احتواء منطقة الوادي المحيطة للنهر على العديد من الهوات والمغاور، التي يمتد بعضها تحت الأرض.
بيئة سياحية جذابة تحتاج الاهتمام والدعم
المهندسة "اعتدال ديوب" من منطقة صافيتا تعد نفسها سائحة دائمة في تلك المنطقة القريبة من سكنها، فطبيعة تلك المنطقة الأحب إليها، وخاصة المجاورة لنهر الأبرش، وبجانب المجرى المائي المحازي لمغارة الدوّار، حيث تزورها مع العائلة والأصدقاء، وتتمتع بالأخضر المنتشر على مد النظر في فصل الصيف، إلا انها تأمل أن يتم الاهتمام بالمنطقة من الناحية السياحية من حيث إصلاح الطرقات الزراعية وتحسين وضع المغارة؛ ليتمكن الزائر من الاقتراب أو الدخول بشكل آمن إليها، وتعتبر قرية كفر صيف بشكل عام وجهة جميلة للسياحة؛ لاحتفاظها بأجواء ومعالم القرية الحقيقية، وللهدوء والهواء النقي، وبرأيها فهي أرخص من أي وجهة سياحية أخرى، إلا أنها تحتاج إلى مزيد من المتابعة من الناحية الخدمية.
أما المزارع "أبو طارق" في العقد السابع من العمر فيرى أن الزراعة والسياحة تراجعت مقارنة بما سمّاه (بالزمن الجميل) من القرن السابق والذي يعود من وجهة نظره إلى تبدّل الحياة والتطور الحاصل بين جيل وآخر. فسابقاً كان الشبان يعتنون بالأرض والزراعة أكثر من اليوم وكانت عائداتها تكفي لإعانة عائلة كاملة وتحقق اكتفاء اقتصادياً لها، على عكس اليوم. وكان توافد السياح كبيراً رغم بساطة الإمكانيات السياحية. ويأمل أن يتوجه الاهتمام لهذه المنطقة وأن يعم الخير والازدهار لها مستقبلاً.