تعدّ مهنة الطب البديل من أهم المهن التراثية في سوريا، وقد استخدمت قديماً لعلاج جميع الأمراض البسيطة والمزمنة، فلكل عشبة وظيفة علاجية، قد تستعمل بمفردها أو بخلطها مع أعشاب أخرى، حيث أثبتت الاختبارات أن هذه الأعشاب آمنة، شرط أن تكون تحت إشراف اختصاصي بالتداوي بالأعشاب، ناهيك عن انخفاض سعرها مقارنة بالعلاج الطبي.

مهنة الأجداد من أرضنا الخيرة

يقول "علي ابراهيم ونّوس" لمدونة وطن، وهو من قرية بيت أحمد ونوس في ريف صافيتا: إن أسباب اختياره لهذه المهنة تعود لغنى أرضنا بأهم الأعشاب وأفضلها عالمياً من ناحية الخواص الطبية، ولأنها لا تترك آثاراً جانبية على المصاب، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب وغلاء الأدوية المركبة كيميائياً، وسعادته عند شفاء أي مريض بدوائه الطبيعي.

هيام عزيز عباس وعلي ابراهيم ونوس

يطور "ونّوس" معرفته بالعلاج الشعبي من خلال المصادر التاريخية والدينية مثل الطب النبوي، وطب آل البيت للعلماء العرب كالرازي وابن سينا، إضافة إلى تدعيم معلوماته بالاطلاع على المقالات والصفحات الطبية الحديثة التي تتناول المصدر الطبيعي للدواء، واعتبار الوقاية من المرض أهم مرحلة في علاجه، ويفضل دائما استشارة الأطباء والصيادلة ذوي الخبرة.

بين الطب الشعبي والعصري

يعتمد الطب الحديث على الدراسة الجامعية، والذي يعتمد خاصية العلاج السريع للمرض بعد تشخيصه من الطبيب المختص، أما الطب الشعبي فيحتاج غالباً إلى التعاون المشترك بين المريض وأهله والمشرف على العلاج، إضافة إلى التقيد والالتزام بنوع الغذاء اللازم أثناء مراحل العلاج التي تأخذ وقتاً ليس بقصير، تبنى على استشارات كثيرة وتواصل مع أطباء واختصاصيين في الحالات التي تستدعي ذلك، مع تأكيده على أهمية (التشاركية) في العلاج؛ لأن الطب بغض النظر عن نوعه، مهنة إنسانية، الهدف منها شفاء المريض.

الدكتور باسل أبو عباس

يؤكد "ونوس" أهمية ضمان جودة الأعشاب المستخدمة في العلاج، التي تتوفر في سوريا بشكل كبير، فالعشبة تتدرج بالنمو كالمخلوقات، تكون صغيرة ثم غضة تليها المرحلة الأخيرة التي تعطي فيها البذور، ويتم اختيار العشبة حسب العلاج المطلوب والمرحلة العمرية للعشبة وتعد الأمراض الجلدية كالحروق والأكزيما، إضافة إلى القولون والسكري والربو والكسور، من أبرز الأمراض التي بسببها يلجأ الناس للطب البديل الذي يعد أرخص من العلاج التقليدي، والذي أثبت ندرة آثاره الجانبية على المصاب.

هل الطب البديل خطر أم حل فعال؟

سوريا غنية بالنباتات الطبية

هناك لغط كبير بين الطب الشعبي والدجل على حد قوله، فالطب الشعبي هو تشخيص الحالة المرضية، وعلاجها لا يكون بالقراءة عليها، وإنما بوصف العشبة أو المادة التي تناسب علاجها، بينما الدجل والشعوذة، باب من أبواب السحر الذي قد يكون خطراً على حياة المريض.

يختتم "ونوس" حواره مع مدونة وطن، قائلاً: "في كل دول العالم هناك عيادات طبية تقليدية في جميع التخصصات، تفردت لها المشافي والجامعات الأكاديمية، وبنفس الوقت هناك اعتناء بالطب الشعبي المتنوع كعلم السوجوك وعلم الإبر الصينية واليوغا أو اختصاص تغذية وعلاج فيزيائي والكثير منها. إلا في بلادنا العربية فهي غالبا ما تكون بالخبرة أو الميراث أو جهد شخصي نتيجة حب البعض لعمل الخير. ويوجّه المعالج الشعبي رسالة للمعنيين بضرورة افتتاح دورات خاصة تحت إشرافهم تقدم أساسيات الطب الشعبي وتعطيهم الفرصة لتثبيت معلوماتهم، ويتمنى أن يعود الإنسان إلى نفسه وإلى الطبيعة، والتوقف عن حقنها بالمواد الكيميائية والهرمونات التي هي سبب رئيسي لأمراضنا .

وجد محمد صالح ضالته في الطب البديل بعد معاناته من حروق من الدرجة الثانية في ساعده، بعد استنزافه مالياً من قبل الأطباء والصيدليات، ليتحول لاحقاً إلى الطب البديل الأقل كلفة، إضافة إلى التحسن الملحوظ الذي يشعر به.

كما تتحدث السيدة "أم عبود" عن مشاكلها الهضمية التي تفاقمت بتناولها الأدوية ما زاد من آلام المعدة، حتى توجهت إلى أحد المعالجين بالأعشاب، ويقتصر علاجها على نوع خاص من الحمية، وشرب بعض الأعشاب المغليّة، التي خففت نوعاً ما من الألم.

الطب البديل بلمسة ناعمة

لم يقتصر العمل بالطب البديل على الرجال فقط، بل دخلت السيدات هذا المجال، كالسيدة "هيام عزيز عباس" التي توارثت هذه المهنة عن أجدادها وبدأت بمزاولتها في عمر 22 عاماً، لشغفها ومتابعتها لهذا العلم، الذي دخل سوريا منذ مئات السنين، حينها كان الطب العربي مقصداً للمرضى. وترى أن الحجامة، والتداوي بالأعشاب المستخلصة من أعشاب خاصة، سريعة المفعول والشفاء عندما تطبق بطريقة صحيحة، وهناك عدة أنواع من الأعشاب والأشجار والزيوت والصمخ وغيرها، يُستخلص منها المركّب، وتشير إلى الفرق بين العلاج بالطاقة والطب البديل، وتستخدم العلاج بالطاقة إلى جانب الجلسات الفيزيائية والأعشاب التي يتوافر بعضها في جبال الساحل، وافتقار الجبال لأنواع أخرى، إضافة إلى غلاء الزيوت التي تعد عنصراً أساسياً في تركيب الأدوية،وتبقى "عباس" في الإطار الشعبي وتصنع الصابون وكريمات البشرة وبعض أنواع الزيوت.

للطب التقليدي رأي آخر

من وجهة نظر الدكتور "باسل أبو عباس" اختصاصي في أمراض الأذن والأنف والحنجرة فإن الطب البديل ليس علماً مسنداً بالدليل، وبالتالي قد يكون خطراً على الصحة العامة في حال لم يمتلك المعالج الخبرة الكافية بالأعشاب الطبية التي يستخلص منها الدواء، والتي يمكن أن يكون لها آثار جانبية أو تداخلات غير محمودة، وعلينا التعلم من التجربة العالمية في هذا الخصوص، حيث تقدم كليات الطب بعض التركيز على العلاج الفيزيائي، مع وجود أطباء معالجة فيزيائية وليس فقط معالجون فيزيائيون يتخصصون في المعالجات الهيكلية، أما الأعشاب الطبية فتتم دراستها من حيث الفائدة والأضرار والأعراض الجانبية في كليات الصيدلة، وتُعتمد بعد مراعاتها شروط الجودة الموضوعة من قبل منظمات الغذاء والدواء.

يشير "أبو عباس" إلى لجوء بعض المرضى لعيادته الذين لم يجدِ العلاج الشعبي معهم نفعاً، في هذه الحالة، يتم التعامل معهم بناء على المرحلة التي وصل إليها المرض، وحسب علمه لا يوجد دور مؤسساتي لتنظيم الطب الشعبي، وكثير من المعالجين أصحاب مهن مختلفة يمارسون الطب البديل في منازلهم بدون تراخيص لمزاولة المهنة، ولا يمتلكون سجّلات في الدولة تحت مسمى "معالج بالطب الشعبي" .

وبرأيه من الممكن تحسين مستوى الطب الشعبي في حال اجتمع المعالج الشعبي والطبيب والصيدلي للمناقشة والتجربة؛ ليكون الآداء مثبتاً بالدليل ويرتقي ليكون بحثاً علمياً.