بهدف الوقوف مع الناس المحتاجة التي انقطعت أعمالها وفقدت مصادر معيشتها في القطاع العام أو القطاع الخاص على حد سواء، جاءت مبادرة "خبز وملح" المجتمعية كجزء من الانتماء لمجتمع متضامن ومتكاتف ومتعاون مع بعضه بعضاً في المحن، إضافة إلى الشعور بالآخر ومساندته في ظروفه الصعبة.

وتضمنت المبادرة توضيب سلل غذائية تشمل مختلف حاجيات الأسرة، تحوي نحو اثني عشر صنفاً من المواد الأولية الغذائية التي يمكن أن تؤمن وجبات غذائية مطهوة أو سهلة التحضير يومياً للأسرة وتسد رمقها لما يقارب من عشرة أيام.

عندما يصبح رب الأسرة بعمر متقدم ويتقاعد من عمله يصبح من الصعب عليه تأمين حاجيات منزله، فتكون مثل هذه المساعدات والمبادرات فرصة لتعزيز المحبة الود وحفظ ماء الوجه أمام أفراد الاسرة

الشاب "محمد اللري" الذي أطلق مع مجموعة من الأصدقاء والمعارف المبادرة تحدث عن الهدف البعيد هو التشارك بالهموم والأوجاع وخلق شعور المودة والألفة والتكافل الاجتماعي وغرس مبادئ وأفكار أهمية الخبز والملح بين الناس، وهذا هو السبب الأساسي لإطلاق هذه التسمية على المبادرة.

منسق المبادرة محمد اللري

بالتعاون بين الأهل والأصدقاء بدأت فكرة مساعدة الناس المحتاجة

بدأت الفكرة من حاجة الناس وهنا كانت همة الشباب كبيرة للمساعدة أولاً في تلبية الفكرة بين الأهل والأصدقاء وثانياً للمساعدة في عمليات التوضيب التي استغرقت الوقت والجهد، حيث أكد "اللري" أن البداية كانت بعد جمع المال بعمليات شراء المواد الأولية من محال تبيع بالجملة وبأسعار رحمانية على حد قوله، وبموجب فواتير نظامية أردفها للمساهمين بعد كل عملية شراء.

عادل محمود أحد المستفيدين

ومن ثم كانت عمليات الجمع والفرز والتوضيب، حيث اجتمع مع رفاقه في محله التجاري وسط مدينة طرطوس شارع الوكالات بعد تجهيز الأكياس الكبيرة الخاصة بالتعبئة بدلاً من الكراتين لتوفير بعض المال وإضافته إلى رصيد شراء المواد الأولية، وذلك ارتكازاً على تجارب سابقة في نفس المجال، حيث كانت تكاليف شراء الكراتين كبيرة، بينما شراء الأكياس أقل بكثير، ما وفر المال الإضافي لشراء مادة غذائية أضيفت إلى السلة، وبدؤوا بعدها بعمليات الوزن والتوضيب وسط سعادة كبيرة قال عنها الشاب "علي نيوف" أحد المشاركين بالمبادرة إنه يشعر بالفرح ما يزيل التعب والجهد العضلي المبذول.

هذه الأخلاق بالعمل لم تكن وليدة لحظة انفعالية من الشاب "محمد" لما آلت إليه أوضاع الناس الاقتصادية، وإنما كانت نتيجة تربية منزلية مجتمعية قال عنها: «ضمن عائلتنا الصغيرة المتواضعة استفقنا على أعمال خيرية مجتمعية كان والدي يقوم بها، فمثلاً بين الحين والآخر كان يشتري بما يزيد معه من مال ذبائح ويقوم بتجهيزها بحصص صغيرة ويوزعها على الناس المحتاجة، أو يقوم بشراء مواد أولية غذائية ويمنحها لأناس فقراء لا يملكون قوت يومهم.

محتويات السلة الغذائية

وحين أسأله عما يفعله يقول "يجب أن نشعر بوجع وألم وحاجة الآخر حتى نشعر بنعمة الله علينا ونقدرها، فيزيدنا الله من نعيمه"، وهذا ما دفعني للاستمرار بما بدأه والدي دون الحاجة لمن يطلب مني فعل ذلك».

منهجية العمل انطلقت من الواقع وحفزت أصحاب الأيادي البيضاء

من خلال عمله في محله التجاري ببيع الألبسة المستعملة يشاهد ويتعرف على أبسط الناس وأكثر حاجة، وهذا ما وفر عليه السؤال عن متطلباتهم وأوقات حاجتهم العصيبة، وجعله يعمل تلقائياً بمنهجية خاصة لا تعتمد على معايير رسمية أو جهات أخرى تؤطر عمله المجتمعي، فبات بحسب حديثه يميز المحتاج عن غيره، ورغم ذلك كان يتودد بسؤال أصدقائه عن عائلات محتاجة من معارفهم وأصدقائهم، وبذلك يوفر ذل السؤال عليهم والتعفف من حاجتهم، فهو بات يدرك تماماً أن المحتاج يبقى عفيف النفس وخجولاً من حاجته.

ومبادرة "خبز وملح" لم تكن المبادرة المجتمعية الأولى التي يطلقها بل سبقتها عدة مبادرة منها خلال شهر رمضان وتوزيع سلل غذائية، وكذلك عقب زلزال شباط الفائت الذي ضرب الساحل بشكل عام، وأخرها بعد سقوط النظام البائد كمبادرة توزيع الخبز في ساحة عامة بجانب دوار الساعة وسط المدينة وبشكل مباشر للمارة، وأيضاً توزيع الملابس بجانب حديقة الباسل بشكل عشوائي للمارة مع هامش حرية انتقاء ما تحتاجه الأسرة منها دون التدخل في الأمر أو حتى إظهار نفسه لهم، وهذا ما شجع الأصدقاء للانضمام للعمل لاحقاً.

المهم في الأمر الانعكاس الإيجابي للمبادرة على رب الأسرة "عادل محمود" الذي يعمل بنظام المياومة والذي يمر بظروف صعبة نتيجة توقف عمله لفترة طويلة سابقاً، ما راكم عليه الديون وبات من الصعب الخروج من تحت وطأتها بسهولة، فكانت السلة التي حصل عليها بمنزلة القشة التي يتعلق بها الغريق، فقد خففت عليه الكثير من المصاريف اليومية بما تضمنته من مواد غذائية أولية، وهنا قال: «عندما تتوافر المواد الأولية لوجبات الطعام يصبح من السهل التحكم بمصاريف المنزل غير الضرورية، ومن السهل تأمين وجبات طعام منتظمة للأطفال الذين هم في طور النمو بشكل عام، فالسلة التي حصلت عليها وساعدتني في تجاوز عقبة مصاريفي اليومية؛ تضمنت البرغل والزيت والسكر والعدس والمعلبات والحمص والخبز والشعيرية والرز وغيرها من المواد الأولية الأخرى».

ويختم: «عندما يصبح رب الأسرة بعمر متقدم ويتقاعد من عمله يصبح من الصعب عليه تأمين حاجيات منزله، فتكون مثل هذه المساعدات والمبادرات فرصة لتعزيز المحبة الود وحفظ ماء الوجه أمام أفراد الاسرة».