يقصدها صباحاً بعض المتقاعدين، يرمون النرد، ويحركون أحجار الطاولة، لتتحرك الذاكرة، يتحدثون عن ماضيهم، يعيدون رواية قصة حدثت معهم أيام الشباب، يعيدونها مرة، أو ربما أكثر، فالذاكرة ما عادت كأيام زمان.. أما مساءاً فالوضع مختلف تماماً، فأكثر روادها هم من الشباب، يأتون هرباً من يوم عمل طويل، أو يوم دراسي متعب، يلعبون الورق أو يدخنون النرجيلة ..
هو مقهى المأمورية في مدينة حماه، جزء من تاريخ المدينة القديمة الذي يشكل القسم العلوي من حي الطوافرة الأثري والذي صورت فيه العديد من المسلسلات التاريخية، توجد بداخل المقهى المدرسة العصرونية والتي بنيت في العصر الأيوبي، كما يوجد فيها العمود الأخير المتبقي من باب حمص الباب الجنوبي للمدينة القديمة وهو أحد أبواب مدينة حماه السبعة.
eHama التقى بالسيد (مأمون قنوت) أحد مرتادي القهوة وهو موظف في مؤسسة حوض العاصي وسأله عما يميز هذا المقهى فقال: "أنا آتي مع أصدقائي كل أسبوع مرة أو مرتين نتحدث لبعضنا عن أحداثنا اليومية، فعملنا سرق منا الوقت، ربما هي الفرصة الوحيدة خلال الأسبوع لكي نلتقي مع الأصدقاء، ونتواصل بشكل دائم مع بعضنا". وأضاف صديقه السيد (محمد الحافظ): "نأتي إلى مقهى المأمورية منذ 25 سنة لأنه الأجمل والأرخص والأقرب، فهو يقع في منتصف المدينة، في شارع أبي الفداء حيث المواصلات مؤمنة للجميع، أنا أجيد كل أنواع العاب الطاولة والورق، وأحب أن ألعبها مع الأصدقاء عندما نأتي إلى هنا".
أما الشاب (طارق غياث) فقد كان له أسبابه الأخرى يقول طارق: "نحن طلاب جامعة، في هذا الوقت من السنة لدينا امتحانات الفصل الثاني، طبعاً نأتي إلى هنا لنروح عن أنفسنا، نلعب الورق ولكنه ليس الموضوع الأساسي الذي نأتي من أجله، فنحن لم نلتق مع الأصدقاء منذ أسابيع، ولكننا نتسلى بعد يوم دراسي طويل... وأضاف "لعبة (التركس) تقوي الذاكرة فهي تحتاج إلى ذكاء والقدرة على اللعب بروح الفريق، أنا لم أخسر منذ شهرين ولا مرة..".
كما التقينا السيد عبد الله عقدة (أبو دياب) مستثمر المقهى حيث قال: "نحن نستثمر هذه القهوة منذ حوالي 12 سنة، أضفنا عليها بعض التعديلات والترميمات، كان هذا الموقع من قبل (سينما الدنيا)، ومن قبله كان (حمام الصالون)، إلى أن استثمرت كمقهى في نهاية الأمر، يرتاد هذه القهوة جميع أهالي حماه، من أطباء ومحامين ومدرسين وطلاب وشيوخ، وأضفنا في العام الماضي قسم خاص بالعائلات، الآن لدينا بعض الترميمات لنعيد للقهوة قيمتها الأثرية بالتعاون مع مجلس المدينة، نفتح باب القهوة منذ الثامنة صباحاً حتى الثانية ليلاً، يزورنا أيضا بعض السياح الأجانب، ويخرجون من هنا مسرورين.
أما السيد (دياب عقده) أحد العاملين بالقهوة قال: "منذ فترة بدأنا بعرض المباريات العالمية، ومباريات الدوري السوري ومباريات ناديي الطليعة والنواعير الحمويين، نعرضها على شاشة كبيرة جداً، وتلاقي حضور كبير، نقدم للزبائن بعض المشروبات الباردة والساخنة، وبأسعار رخيصة حيث نأخذ فقط 25 ليرة سورية لقاء كل طلب".
وفي قسم النراجيل التقينا مع السيد بسام غوري (أبو ياسر) سألناه عن عمله فقال: "أعمل في إعداد النراجيل وتجهيزها منذ حوالي 23 سنة، هناك رابط بيني وبين نهر العاصي، فلا يمر يوم دون أن أراه، أعد في اليوم بين 80 إلى 100 نرجيلة معسل بحرينية، وقد يصل العدد في الصيف إلى 200، نحن نصنف النرجيلة حسب النفس، فلا نضع في نرجيلة التفاح معسل كرز، فهو يفسد من طعمتها، كما أننا نقوم بغسيل النرجيلة بعد كل نفس، هناك بعض الأطفال يأتون إلى المقهى ويطلبون النرجيلة، طبعاً نحن لا نسمح لهم بالتدخين، وهناك تعليمات من صاحب المقهى بعدم السماح لهم بالنرجيلة".
هنا في مقهى المأمورية بحماه، يختلط صوت النواعير بصوت أحد الشباب الذي يطلب من شريكه الذي يلعب مقابله الانتباه أكثر إلى اللعب أو أن يرمي (ختيار الكبه)، ويختلط صوت النرد الخلاب مع أحاديث الذكريات التي يرويها كبار السن، فتتمنى أن لا ينتهي المساء.