«ولدت في ناحية "سفيرة" التابعة لمدينة "حلب"، وقد تزوجت في سن مبكرة، ثم انتقلت مع زوجي الحاج "محمود العيشة" للعيش في مدينة "الرقة"، منذ ما يزيد عن السبعين عاماً، وذلك بحثاً عن الرزق، ونتيجة لتقدم زوجي بالسن وضيق ذات اليد، كان لا بدَّ لي من مساعدته في العمل، لذلك فقد تعلمت صناعة فرن التنور، وشدِّ المكانس، لتوفير دخل نعيش من خلاله نحن وبناتنا الثمانية».

بهذه الكلمات تستهلُّ الحاجة "زلخة العجاج"، المشهورة بـ"أم التَّنانير"، حديثها لموقع eRaqqa بتاريخ (12/1/2009)، والتي راحت تحدثنا عن بداية وصولها إلى مدينة "الرقة"، والظروف المعيشية التي مرت بها مع أسرتها، وكيف تعلمت صناعة أفران التنور، وذلك بقولها: «في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، انتقلت إلى محافظة "الرقة" مع زوجي، لأعيش مع اثنتين من زوجاته في بيت واحد، حيث تستقل كل زوجة بغرفة واحدة، أما المنتفعات فقد كانت مشتركة فيما بيننا، وقد كانت مدينة "الرقة" في تلك الفترة صغيرة للغاية، حيث كان جميع سكانها يعيشون ضمن سور "الرقة" الأثري، فلم يكن هناك أثر لأحياء مثل "الرميلة" و"الدرعية" وغيرها من الأحياء التي بدأت تتشكل بعد ذلك خارج السور، وقد كنت سعيدة جداً بالعيش بين أهالي "الرقة" حيث كانت الطيبة والبساطة هي ما يميز أهلها، وقد كان الناس يعيشون "على البركة"، ولا يعكر صفو حياتهم شيء يذكر، وقد عمل أفراد أسرتنا بدايةً "فلاليح" لدى الشيخ "النوري ابن مهيد"، شيخ عشيرة "الفدعان"، وبقينا كذلك لعدة سنوات، لنعود بعدها للعيش في المدينة، وكان زوجي في هذه الفترة، قد تقدمت به العمر، وهو مسؤول عن ثلاث زوجات وعدد كبير من الأبناء، وكان يعمل على دراجة نارية ذات ثلاثة عجلات، وهي معدة لنقل الركاب والأغراض، وكان دخلنا لا يكفي الحد الأدنى لمعيشتنا، لذلك اضطررت للبحث عن عمل يحسِّن من دخلنا، وقد كانت هناك امرأة من معارفنا، تقيم في "الرقة"، تدعى "أم عبد" وهي من منطقة "السخنة" التابعة لمحافظة "حمص"، تجيد صناعة فرن التنور الطيني، قامت بتعليمي كيفية صناعته، علماً أنها لم تكن تمارس هذه المهنة على الإطلاق، وبالفعل تعلمتها بسرعة كبيرة، وبدأت أصنع التنانير في منزلي، وكان زوجي يساعدني بتأمين التراب اللازم لصنع التنور، وذلك بواسطة دراجته النارية».

إنني أعيش بمفردي منذ /35/ عاماً تقريباً، وذلك بعد وفاة زوجي في عام /1974/، وكان لزاماً عليَّ أن أحترف مهنة أخرى غير صناعة التنانير، كي أتمكن من تأمين دخل يكفيني، وشاءت الصدف أن جارنا كان يعمل في صناعة المكانس، وخلال زيارتي لزوجته، كنت أراقب طريقته في العمل، وأعجبت كثيراً بهذه المهنة، وقد ساعدني كثيراً عندما علم برغبتي بتعلمها، وبالفعل فقد تعلمتها بسرعة مذهلة، وبدأت بشراء نبات "المكنس" الذي تصنع منه المكانس، والخيوط اللازمة لشدها، وكافة مستلزمات هذه الصناعة، وأنا أنجز حتى يومنا هذا، عشر مكانس في اليوم الواحد، فصنع مكنسة واحدة لا يستغرق أكثر من عشر دقائق، وإنني أربح على كل واحدة /20/ ل.س تقريباً، حيث أن تكلفة المواد هي/30/ ل.س، وأقوم ببيعها بمبلغ /50/ل.س، وأنا لا أقوم ببيع هذه المكانس في السوق، بل إن الناس هم الذين يأتون لمنزلي لشرائها، ومن المهن التي ما زلت أزاولها هي بيع "البيض العربي"، و"السمن العربي"، حيث إنني أطوف على القرى والأسواق الشعبية كسوق "الجمعة" لشراء هذه المواد، ومن ثم أبيعها في المدينة، والحمد لله فإنني سعيدة وقانعة بهذه المعيشة، وسأظل أمارس هذه المهن، ما دمت قادرة على العطاء

وعن طريقة صناعة فرن التنور الطيني، تحدثنا "أم التنانير" قائلة: «إن طريقة صناعة التنور، سهلة وغير معقدة، لكنها تحتاج لبعض الجهد والصبر، فالتَّنور لا يتم إنجازه دفعة واحدة، بل على عدة مراحل، وأهم المواد الأولية التي أستخدمها لصناعته، هي تراب "الزور" وهو التراب الموجود على ضفاف نهر الفرات، والذي يتميز بنظافته ونعومته، فهو لا يحتاج لعملية التصفية بالغربال، والمادة الثانية هي الشعر، حيث كنت أطوف على بعض الحلاقين، وأحصل منهم على الشعر الناتج عن حلاقة شعر الزبائن، وأحياناً أعطي نقوداً لبعض الأطفال ليحضروا لي الشعر، ثم أقوم بعجن التراب مع الشعر، بعد إضافة الماء، وعندما تصبح الطينة جاهزة أقوم بإحضار "طشت"، وهو إناء معدني يستخدم لغسيل الثياب، أو لاستحمام الأطفال، ثم أقلبه على الأرض، وأبدأ بعملية وضع الطين على أطرافه وبالسماكة التي أريدها، وذلك لتأخذ قاعدة التنور الشكل الدائري، وبعد أن يصل ارتفاع الطين شبراً فوق مستوى "الطشت"، أترك العمل وأنتظر إلى أن يجف الطين، حتى لا ينهار أو يأخذ شكلاً غير متناظر، لأعود بعد ذلك لمواصلة وضع الطين ومتابعة البناء، للحدِّ الذي أشعر فيه أن الطين ما زال متماسكاً، وأبقى على هذه الحالة حتى يتم إنجاز التنور بالكامل، ويأخذ شكله النهائي الذي يشبه إلى حدٍّ بعيد شكل القبَّة، فهو يبدأ بقاعدة عريضة لتضيق شيئاً فشيئاً، حتى نصل إلى القمة وهي فتحة التنور، أما عن سبب استعمال الشعر في الطين المستخدم لصناعته، فهو يمنع تشقق الطين ويعطيه تماسكاً جيداً، وهذه العملية تشبه إلى حدٍّ كبير، عملية وضع قضبان الحديد في "البيتون"، أما اعتمادي على الشعر البشري من عند الحلاقين، فذلك لأنني أحصل عليه مجاناً، حيث إن الأنواع الأخرى من الشعر، كشعر الماعز مثلاً فلا بد من دفع ثمنها، ومنذ بداية عملي بهذه المهنة، وحتى يومنا هذا، قمت بصناعة مئات التنانير، التي كنت أبيعها لسكان مدينة "الرقة" وريفها على حدٍّ سواء، لكن في السنوات الأخيرة اقتصر البيع لسكان الريف فقط، وذلك بسبب انتشار الأفران الآلية في كافة أنحاء المدينة، ويصل سعر التَّنور الذي أصنعه هذه الأيام إلى مبلغ/500/ل.س، ويبلغ عدد السنوات التي عملت فيها بهذه المهنة، 50 عاماً تقريباً، وأعتقد أنها ستنقرض خلال السنوات القليلة القادمة، بسبب تطور الريف في محافظة "الرقة" واعتماده على الخبز المصنوع آلياً، والذي تقلُّ تكلفته كثيراً عن خبز التنور».

مجموعة من المكانس التي صنعتها الحجة زلخة

وتحدثنا أم "التنانير" عن المهن الأخرى التي زاولتها إضافة لصناعة فرن التنور، حيث تقول: «إنني أعيش بمفردي منذ /35/ عاماً تقريباً، وذلك بعد وفاة زوجي في عام /1974/، وكان لزاماً عليَّ أن أحترف مهنة أخرى غير صناعة التنانير، كي أتمكن من تأمين دخل يكفيني، وشاءت الصدف أن جارنا كان يعمل في صناعة المكانس، وخلال زيارتي لزوجته، كنت أراقب طريقته في العمل، وأعجبت كثيراً بهذه المهنة، وقد ساعدني كثيراً عندما علم برغبتي بتعلمها، وبالفعل فقد تعلمتها بسرعة مذهلة، وبدأت بشراء نبات "المكنس" الذي تصنع منه المكانس، والخيوط اللازمة لشدها، وكافة مستلزمات هذه الصناعة، وأنا أنجز حتى يومنا هذا، عشر مكانس في اليوم الواحد، فصنع مكنسة واحدة لا يستغرق أكثر من عشر دقائق، وإنني أربح على كل واحدة /20/ ل.س تقريباً، حيث أن تكلفة المواد هي/30/ ل.س، وأقوم ببيعها بمبلغ /50/ل.س، وأنا لا أقوم ببيع هذه المكانس في السوق، بل إن الناس هم الذين يأتون لمنزلي لشرائها، ومن المهن التي ما زلت أزاولها هي بيع "البيض العربي"، و"السمن العربي"، حيث إنني أطوف على القرى والأسواق الشعبية كسوق "الجمعة" لشراء هذه المواد، ومن ثم أبيعها في المدينة، والحمد لله فإنني سعيدة وقانعة بهذه المعيشة، وسأظل أمارس هذه المهن، ما دمت قادرة على العطاء».

ومن الجدير ذكره أن الحاجة "زلخة العجاج" من مواليد "سفيرة" عام /1918/ وهي والدة لثماني بنات، كلهن متزوجات، ولديها أكثر من ثلاثمئة حفيد، جميعهم يعيشون في محافظة "الرقة".

المراحل الاولى في صناعة التنور
الغرفة التي تعيش فيها