مع بداية شهر كانون الثاني كثيراً ما نصادف في أزقة دمشق وشوارعها بائعاً جوالاً يقف تحت قطرات المطر ويحمل باقات صغيرة من النرجس. هذا المشهد المرتبط بذاكرة كل من يزور المدينة في هذا الفصل هو من إحدى المعالم التي تزين شوارع "دمشق".

"دمشق المدينة التي تنام ليلاً وتستيقظ في الصباح لترى بائعي النرجس يزينون الطرقات بتلك الرائحة وذلك اللون البري المرتبط بطبيعة بيئتنا. خلال جولتنا في شوارع "دمشق" التقينا السيد "محمد محسن" وبيده باقات من النرجس ينتظر المارة لكي يشتروها منه، عن هذه المهنة وموسمها يقول: «يعد قطف النرجس البري من المهن الصعبة بسبب وجوده في مناطق برية ومنحدرات جبلية قاسية، إننا نقوم بقطفه من الجبال والمنحدرات ثم نربطه بشكل طاقات صغيرة ونضعها على سطح مستوي لتشكل مجموعة كبيرة ذات رائحة ولون يجذب الناظر إليها. فهذا اللون المعبق برائحة الطبيعة يشكل مصدراً لدخلنا بدءاً من شهر كانون الثاني إلى نهاية شهر شباط، وأنا أعتبر أن هذه المهنة ذات مورد اقتصادي للكثير من الشبان الذين يبحثون عن فرصة عمل، وهي من المهن الجميلة والرائعة التي لها بعد جمالي عميق».

إن النرجس يعني لي الكثير، فهي الربيع والهدوء والطبيعة والشموخ، إنها من تلك الزهور التي تنبت على الجبال العالية دون أسمدة ولا أدوية بل هي تعبّر عن قدرة الطبيعة وعطائها، النرجس رمز من رموز الحياة، وهي ضيفة ذات رائحة ولون في كل المناسبات

ارتبط اسم النرجس كثيراً بعاطفتنا وبأعيننا التي بها نعشق المكان ونرتبط بالزمان، وهنا للنرجس مكان وزمان يدق أبوابنا في هذين الفصلين الجميلين، عن موطن النرجس وأهميته الجمالية يقول المهندس الزراعي "علي الراعي": «ينتشر النرجس البري ضمن الأوساط الشعبية وفي المناطق الريفية أكثر من المدينة، ويعد أحد أنواع الزهور البرية التي تنمو على المنحدرات وبين الصخور الجبلية وفي أجواء باردة، ويمتد نموه من منتصف كانون الثاني ولغاية نهاية شهر شباط. في هذين الشهرين نلاحظ الباعة يتجولون في أزقة المدينة وشوارعها لعرض بضاعتهم التي لها رقيّها الحضاري والجمالي».

باقات من النرجس

زهرة برية تنبت دون تدخل الإنسان فيها، فتنمو في الجبال وتنزل إلى المدينة لتعطرها وتنشر شذاها بين المارة وعلى شرفات البيوت الدمشقية، يكمل "علي": «للنرجس أصناف وأنواع عديدة وأكثرها شهرة الأصفر والأبيض، فالأصفر ورقة كورق الزعفران، تلتوي أطراف الأوراق وترجع إلى جانب الأرض، وساقها تعلو نحو شبر، ملساء خضراء، والأبيض ورقه كأطراف الحلقة يمتد على الأرض وله ساق خضراء في أعلاها زهر أبيض وفي وسطه أصفر وله رائحة قوية ويعرف بالبهار، يظهر في الشتاء بعد نزول المطر».

أما الآنسة "رولا خانجي" فتقول وهي تحمل باقة من النرجس بين كتبها: «إن النرجس يعني لي الكثير، فهي الربيع والهدوء والطبيعة والشموخ، إنها من تلك الزهور التي تنبت على الجبال العالية دون أسمدة ولا أدوية بل هي تعبّر عن قدرة الطبيعة وعطائها، النرجس رمز من رموز الحياة، وهي ضيفة ذات رائحة ولون في كل المناسبات».

الإقبال على شرائها

لم يكن النرجس يوماً بعيداً عن قصصنا وحكاياتنا، بل كانت دائمة الحضور في الأعراس والمناسبات وحتى قرب المقابر والحدائق البرية، وهنا يقول المزارع "خليل وضاح": «إن النرجس كان ينمو سابقاً في كل القرى والأرياف، ولكن بسبب عدم الحفاظ على التربة الصالحة افتقدت في الكثير من الأماكن، فهي تنمو في التربة التي تحتوي على بذور أو مزيج ترابي معين، لذلك خلال عودتنا إلى حكايات الأجداد والآباء نلاحظ أن للنرجس مكاناً راقياً فيها، ولم تكن يوماً بعيدةً عن الأعراس والاحتفالات، فالعروس دائماً كانت تكلل بالنرجس وتزين بها، وها هي زهرة النرجس تفرض حضورها بين أيدينا وعلى شرفات منازلنا وشوارعنا».

ومن الجدير بالذكر أن الأساطير القديمة تروي أنّ شاباً اسمه "نارسيس" كان يرى دائماً انعكاس صورة وجهه على الماء ويتأمّل جماله الذي أُعجِب به وظنّ أنها امرأة فاتنة فأحبّها كثيراً وحاول يوماً أن يمسّها بيده، فتعكّرت صفحة الماء وذهبت صورته، فحزن كثيراً ومات ثم تلاشى ونبتت مكانه زهرة "النرجس"، ومن هنا ظهرت تسمية "النرجسيّة" دلالة على حُب الذات والإعجاب بها.

النرجس تزين الجبال