لا يعترف الطموح بالعمر، كما لا يخجل الفن من الوسط المحيط، فهو طاقات كامنة تحت براثن الأسر لا تلبث أن تتحرر، وحينما تتحرر فمن يستطيع كبح الجموح؟!

قال فيها الفنان "عيسى النهار": «هي حالة فريدة ونهر من الرغبات في الوصول، عاشت كما غيرها من النساء في مجتمع ضيق وأد أحلام الكثيرات، إلا أن ما فيها لم يطاوع المجتمع فتفجر من ريشتها لتجسد الفن بقالب طفولي، فهي تعبر عما فات من طفولتها وتسترجع الماضي على لوحات الورق المقوى، "عنود الأحمد فنانة لا تخشى اللون والموضوع"، وهذا الشيء يمنحها القدرة على رسم كمٍّ هائلٍ من المواضيع في ليلة واحدة، صحيح أن مواضيعها متشابهة ولكن هذا التشابه لا يمنعها من أن تكون حالة فريدة».

أقمت أول معرض للوحاتي في مدرسة "الإمام الغزالي" بتاريخ 8/7/2007م، وكانت فرحتي لا توصف لأن إحساسي وقتها كان أنني وضعت قدمي على أول الطريق، وضمّ المعرض ستون لوحة نالت إعجاب الكثيرين

"عنود الأحمد" امتهنت الفن في عقدها الخامس تقول: «كانت حياتي جميلة في الماضي ولكن بعد أن أنجبت الأولاد أصبحت حياتي جحيما لا يطاق، فالوضع الاقتصادي كان سيئاً للغاية بسبب الاستقلال عن أهل زوجي، ومتطلبات الحياة كثيرة ولا ترحم ولم يكن هناك سوى دخل زوجي مع ستة أولاد وثلاث بنات، وبعد المعاناة التي ذكرت ابتلاني الله تعالى بمرض عضال رافقني ستة أعوام، لم تطأ خلاله قدماي الأرض وقد تعذّرني الأطباء لسوء حالتي، وأذكر أن طبيباً قال لأخي يومها، إن وضع أختك ميئوس منه، ولكني قلت له أنا لن أستمع لكلامك فلدي القدرة على النهوض والمشي وأنا أعرف مقدراتي، وبعد فترة جعل الله تعالى لي سبباً على يد الدكتور "حسام الكبيسي" في دير الزور».

ابداع يحتاج للرعاية

*** مشوار الفن يبدأ بخطوة...

تقول "عنود": «بعد أربع سنواتٍ من الشفاء مرّت بعض المدرسات وهن يبحثن عن منتسبات لدورة محو الأمية، فأعجبتني الفكرة وانتسبت للدورة، ولأنني كنت أزور أولادي في المدرسة كنت أرى اهتماماً من قبل الإدارة بميول الأطفال الفنية، وكانت تتجلى على جدران المدرسة، الأمر الذي لم أشاهده في المدرسة التي أخضع فيها لبرنامج تعليم الكبار، فقلت للمدير لماذا لا تشجعون الأطفال على الرسم، فأجابني بغضب من أعطاك الحق في التدخل، فأنت امرأة أمية، وما رأيك أن تجلسي محلي وتديري المدرسة، فأثار هذا الرد حفيظتي وكنت قد بدأت الرسم منذ فترة، وفي اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة وأخذت معي لوحتين مرسومتين واثنتين فارغتين لأنني كنت أتوقع أنه لن يصدقني، وفعلاً حصل ما توقعت، فلقد أقسم الرجل أن هذه اللوحات ليست لي، فقلت له فلنرسم أنا وأنت وسوف ترى، وبدأنا بالرسم بشهادة عدد من الأساتذة وما لبِث أن اعترف بقدرتي على الرسم، وعرض علي أن أقيم معرضاً للرسوم في مدرسته».

ابن سينا كان حاضراً في لوحاتها

*** معرض للرسوم بعد خمسين عاماً!!!

تضيف "عنود": «أقمت أول معرض للوحاتي في مدرسة "الإمام الغزالي" بتاريخ 8/7/2007م، وكانت فرحتي لا توصف لأن إحساسي وقتها كان أنني وضعت قدمي على أول الطريق، وضمّ المعرض ستون لوحة نالت إعجاب الكثيرين».

تجسد قانون الغابة

*** ثلاثين لوحة في يوم واحد!!!

تقول "عنود": «في عام 2009 أخبرني مدير ابتدائية الشهيد "عبد الصالح" أنه سيقام معرض للفن يوم غد، ودعاني للمشاركة فيه ولكن المشكلة كانت في عدم توافر اللوحات، فبدأت بالرسم منذ إخباري صباحاً وحتى الساعة الواحدة ليلاً، وأنجزت ثلاثين لوحة وضعتها في المعرض».

*** نتاج "عنود" في ثقافي "الحسكة"

تطورت آلية الرسم عند "عنود الأحمد" فلم يعد معرض المدرسة يفي بالغرض، تقول "عنود": «زارني الأستاذ "عيسى النهار" وبعض الرفاق ليشجعوني، وأحضروا لي كميةً جيدة من أدوات الرسم وأخبروني بأنهم سيعرضون لوحاتي في المركز الثقافي، وفعلاً أقمت معرضي في المركز الثقافي وعرضت حوالي اثنتين وأربعين لوحة، وهذا ما استوعبته صالة العرض.

وحضر المعرض العديد من المسؤولين وتم تكريمي في نهايته ببطاقة شكر، كما منحتني وزارة الثقافة مبلغاً تشجيعياً قدره عشرة آلاف ليرة سورية».

*** يوميات "عنود" لوحات ناطقة...

«لدي كم هائل من الصور في مخيلتي، فأنا أسترجع شريط الذاكرة وأرسمه على لوحات من الورق المقوى، وقلما أنقل من الصور أو اللوحات الفنية، اللهم إلا ما لم أدركه بالعلم وما أشاهدة على شاشة التلفزيون، فقد رسمت بعض اللوحات التي تحاكي الغطرسة اليهودية والممارسات اللاإنسانية على الشعب الفلسطيني، ولكنها قلية جداً والسبب يعود لعدم قدرتي على تجسيد القتل، وأصعب ما أواجهه هو كيفية رسم طفل فلسطيني ممدد على الأرض وغارق بدمه، فهذا الأمر يشل يدي عن الحركة».

*** هل ستدخل موسوعة "غينس"؟؟؟

"عنود" وفي مشوارها الفني القصير رسمت أكثر من /1200/ لوحة فنية، وتقول عن هذا الكم الهائل من اللوحات: «لم يعد لي ما يشغلني عن الرسم فقد أصبح يجري في عروقي، فعندما أرسم أنسى الدنيا وما فيها، وأنسى مرضي الذي يولي عني هارباً عندما أمسك الريشة وأمزج الألوان، فأنا أستطيع رسم أكثر من ثلاثين لوحة في اليوم الواحد».

*** شر البلية ما يضحك؟

فكما نعرف أن الفنان أو المبدع يكسب احترام محيطه وجيرانه، إلا أن الآية انقلبت عند "عنود": «لما بدأت الرسم بدأت النسوة يستهزئن بي ويقلن "بعد الكبرة جبة حمرة"، ومنهن من يقول: ألا تخجلين من نفسك فبعد أن أصبحت جدة تريدين أن يضحك الناس عليكِ؟ طبعاً هذا الأمر أغاظني كثيراً، فاتجهت إلى الإعلام ليساندني وينشر لوحاتي لكي أستنهض همم كل النساء اللاتي يمتلكن مواهب مثلي، عسى أن يخرجن من القمقم، وفعلاً لبت ندائي الكثير من الوسائل الإعلامية، وعلى رأسهم قناة الجزيرة الإخبارية، وأيضاً كان لي حظ وافر مع وسائل الإعلام المحلية، ولكن كانت النتيجة أن جاراتي وصديقاتي اللاتي عشت معهن أغلب الأوقات، ما عُدن يلقين السلام عليّ، وبدأن يتهامزن عليّ كل ما مررت من جانبهن، ولكني لم ولن أكترث وسأواصل مشواري الفني ما بقيت على قيد الحياة».

*** وراء كل "عنود" عظيمة "خضر"!!!

"خضر خلف الطايس" 54 عاماً، يعمل حارساً في مدرسةٍ بجوار منزله، ويعمل ليلاً في أوقات الفراغ في فرن للخبز يقول: «بدأت زوجتي بالرسم وهي تحلم بأشياء كثيرة، وأذكر في بداياتها الفنية قالت لي سوف يأتي المحافظ لزيارة معرضي، فسخرت منها أيما سخرية وقلت لها: إذا صحّ ما تقولين فسأقف معك، وبالفعل جاء السيد المحافظ إلى معرضها وكسبت الرهان، ومن وقتها بدأت أصرف على لوحاتها على الرغم من ضعف حالتي الاقتصادية».

ويضيف "خضر": «أذهب إلى الفرن في الواحدة والنصف ليلاً فتقوم "عنود" على مرسمها المتواضع والمكون من وسادتين، وعندما أعود للمنزل في الساعة التاسعة صباحاً أراها لا تزال في مكانها، وقد تبعثرت حولها العشرات من اللوحات، أما عن الحياة الزوجية فيقول: «منذ أن بدأت زوجتي بالرسم شاركتني اللوحات في حقوقي وسلبت مني الوقت المخصص لي، إلا أنها لا تقصر في خدمتي أبداً رغم انشغالها، فإذا أردت شيئأً فإنها تحضره لي بنفسها، وإلا فإنها لا تقوم من مقامها حتى يثنيها التعب».

*** لوحاتها واعظ ديني!!!

تختم "عنود" حديثها قائلة: «أسمع من المحطات الدينية بعض الأمور التي يعاقب الله تعالى مرتكبها، وفي إحدى الحلقات كان الشيخ يتكلم عن عقوبة مدمن الخمر، فرسمت رجلاً يلتف عليه ثعبان يسمى "الشجاع الأقرع"، ودخل علي أحد المتابعين لأعمالي وسألني عن اللوحة، فقلت له هذا جزاء مدمن الخمر، فقال لي إن صديقي مدمن على الخمر وسأخبره عنك، فقلت له أنا لا أخص أحداً بهذه اللوحة ولذلك فأنا لا أخاف أن يراها الناس، وبالفعل أحضر صديقه في اليوم التالي وسألني عن اللوحة، فأخبرته ماذا تعني فقال لي والله يا "أم سليمان" لن أشرب الخمر ما دمت حياً، وبالفعل أقلع هذا الرجل عن شرب الكحول، والفضل لله أولاً ولمن قام بإيصال الفكرة ثانياً، ومن هنا أناشد المسؤولين أن يولوا لوحاتي شيئاً من الاهتمام عسى أن تحفز المتقاعسين ليقوموا بواجباتهم، كما أناشدهم بمساعدتي لكي أستطيع المواصلة في مشواري فالحمل أثقل كاهلي».