كان للمضافة الحورانية المعروفة "بالديوانية"، أهمية كبيرة في حياة المجتمع الحوراني، لما تقدمه من أدوار مختلفة، وخاصة في المجالات الاجتماعية والإنسانيه والثقافية، في الوقت الذي مازالت تحافظ فيه على عادات الكرم وحسن الضيافة وتقديم القهوة المرة العربية.

موقع eDaraa زار عدداً من المضافات الحورانية، بتاريخ 4/2/2011، والتقى بعضاً من أصحابها وزوارها والمهتمين بالتراث، الذين تحدثوا حول واقعها وأهميتها وعاداتها ومحتوياتها، وفي هذا الخصوص يقول السيد "فائق أبو نقطة" من أهالي مدينة "طفس": «المضافة ظاهرة من ظواهر المجتمع الحوراني، وهي بيئة تعارف وتثقيف، ومناخ هام لغرس القيم والأفكار والمثل العليا، وفيها يصاغ السلوك الاجتماعي القويم وينتقد الذميم، وتدار فناجين القهوة المرة العربية، ويتبادل الناس أمور حياتهم اليومية، ويناقشون المشكلات الاجتماعية العالقة، ويخططون لمستقبل المجتمع، كما تعد مدرسة هامة لتعليم أمور الحياة، فالمجالس مدارس كما وصفها الدكتور المؤرخ "عبد الله حنا"».

للمضافات عادات في الجلوس لا يمكن تجاوزها حيث يجلس الضيف في صدر المضافة، ويجلس "المعزب" في وسط الحضور إلى جانب الضيف، ويدير الجلسه ويعزب الجميع

وقال السيد "أحمد إبراهيم السعيد" من أهالي مدينة "جاسم": «كان الوجهاء والمخاتير وشيوخ العشائر والمقتدرون مادياً في "حوران"، يقومون بإنشاء مضافات لهم، لاستقبال الضيوف والأهالي، وهي مكان يجتمع فيه الناس بالمناسبات الاجتماعية المختلفة كالأفراح والأتراح والخطبة والزواج والصلح بين المتخاصمين، وأحياناً مكان للتسلية ولعب العديد من الألعاب الشعبية المختلفة "كالمنقلة" وغيرها.

السيد محمد خير العامري

وفي ذات الوقت تكون المضافة مفتوحة ليلاً ونهاراً لأهالي القرية أو العشيرة، ولعابري السبيل وطالبي الغوث والمعونه، والوافدين من القرى المجاورة والقادمين من أماكن بعيدة».

وحول العادات المتبعة في المضافة "الحورانية" ذكر السيد "محمد خير العامري"، صاحب مضافة: «للمضافات الكثير من العادات والتقاليد والأنظمة المتبعة التي تسير عليها، ولا يجوز مخالفتها في المجتمع "الحوراني"، منها أن يدخل الضيف برجله اليمنى إلى المضافة بعد أن يقول السلام عليكم، ولا يُسأل الضيف من أنت؟ وماذا تريد؟ الا بعد ثلاثة أيام.

السيد أنور الدبيس

ويتم استقباله واستضافته بوجه حسن ويقدم له الطعام والشراب وتؤمن احتياجاته كافة، ويتم تقديم القهوة المرة العربية للضيف طوال فترة وجوده ولعدة مرات يومياً، على أن يتم تقديمها باليد اليمنى ويمسك مصب القهوة باليد اليسرى، ويستمر "المعزب" صاحب المضافة أو من ينوب عنه، بتقديم القهوة المرة حتى يهز الضيف فنجانه ويقول "دايمه".

وبالنسبة للطعام فقد جرت العادة أن يتم تقديم المنسف "الحوراني" المعروف "منسف المليحي" في وجبة الغذاء، للضيف والمدعوين على شرفه ليتناولوا الغذاء معه تكريماً له».

دلة القهوة على نار الحطب

وفيما يخص الجلوس فيها أضاف "العامري": «للمضافات عادات في الجلوس لا يمكن تجاوزها حيث يجلس الضيف في صدر المضافة، ويجلس "المعزب" في وسط الحضور إلى جانب الضيف، ويدير الجلسه ويعزب الجميع».

وحول الدور الاجتماعي والثقافي للمضافات تحدث "العامري" بالقول: «للمضافة دور اجتماعي من خلال عمليات التواصل والتعارف التي تتم بين قاصديها، والأحاديث المتداولة فيها، والتي تناقش شؤون البلدة أو العشيرة، سواء فيما يتعلق بالزراعة أو الحصاد أو المواسم بشكل عام، وفيها تعقد الجاهات اجتماعاتها للتوفيق بين الأطراف المتخاصمة.

كما تؤدي دوراً ثقافياً حيث يتم تناول القصص والسير الشعبية المختلفة والقاء القصيد والشعر الشعبي فيها، وتتحول سهراتها إلى أمسيات شعرية، وحفلات فنية من خلال الغناء الجماعي الشعبي والعزف على الربابة».

وعن القصائد التي تقال في المضافات "الحورانية" أضاف "العامري": «تقال في المضافات الكثير من القصائد، منها القصيدة النبطية التي تقول:

يا ماحلا جمع الرفاقة بديوان/ ووجوه تضحك يوم تظهر نباها

يا طيبهم مقرون بالخير واحسـان/ لا غابت الرجال يحمو قفاها

بشورهم ينهون لا صرت غلطان/ ودوم النصايح يكرمون بعطاها

لا ترتضي بشور ورعا وخسران/ كل علة بالشور يعطوا دواها

والجرن يضبح وصاحب الكيف بلـشان/ يا هجرهم يغنيك ذوقة قراها

قوم امعز لفنجان بالبن يا فلان/ وزود عليها الهيل يومن غلاها

صبه على اللي بالمجالس لهم شان/ ترتاح معهم بصباح ومساها».

وفيما يخص طريقة بناء المضافات قال السيد "يوسف مسلم" من أهالي مدينة "نوى": «كانت المضافة الحورانية تبنى من الحجر والسقف من الربد أو القصب والحديد، على شكل مربع أو مستطيل في مدخل المنزل وبفناء واسع، ليستوعب أكبر عدد من الزائرين، ويحمل سقف المضافة على قناطر حجرية ارتكازية، تعتبر روعة في الفن المعماري القديم، يعلوها القصب وفوقه التراب والطين.

أما جدرانها فكانت تطلى من الداخل بالطين أو الإسمنت تعلوه طبقة من الكلس الأبيض، ويكون شكلها الداخلي على سوية واحدة، ولها مقعد يمتد على طول الجدران الداخلية، يقال له في "حوران" التواطي».

وفيما يتعلق بمحتوياتها وأثاثها ذكر "مسلم": « يفرش فيها عادة البسط أو السجاد أو اللباد الصوفي الملون وبعض جلود الأغنام في فصل الشتاء لتقي البرد، ويوجد عند مدخلها وعلى أحد طرفيها خزن جدارية تستخدم لوضع مستلزمات الضيافة، كما يوجد في أحد أركان المضافة وعلى أحد جدرانها السيف العربي والربابة.

ويتدلى من وسط سقفها حبل معدني يحمل قفصاً زجاجياً بداخله مصباح زجاجي، يقال له سراج أو "اللوكس"، ويعلق خلف مدخل المضافة طبق من القش الملون بالألوان الزاهية والمصنوع من سوق القمح "القصل"».

وحول أدواتها تقول السيدة "فاديا هلال" من أهالي مدينة "الشيخ مسكين": «كان يوجد في كل مضافة مرجل حديدي أو ما يسمى المنقل المصنوع من النحاس، يوضع فيه الحطب المشتعل، وفوقه دلال القهوة العربية، وهي عبارة عن أباريق نحاسية، وبكارجها وهي آنية نحاسية ذات غطاء مقبب ومقبض إسطواني أو قوسي، توضع فيه القهوة بعد غليها بالدلال، ويوضع على المنقل أو بجانبه إبريق شاي كبير الحجم مصنوع من المعدن المطلي بالقيشاني الأزرق.

وعلى جانبي المنقل أيضاً توضع فناجين القهوة والكاسات وطنجرة نحاسية، يوضع فيها الماء لغسل هذه الكاسات والفناجين، كما يستعيض البعض عن المنقل في وسط المضافة بحفرة مستطيلة الشكل يقال لها "النقرة"، وهي أكبر بقليل من المنقل ومحاطة بحجارة صغيرة منحوتة من جوانبها الأربعة، يوضع بداخلها أيضاً الفحم أو الحطب المشتعل».

وعن وضعها الحالي قال السيد "أنور الدبيس" مهتم بقضايا التراث الحوراني: «اختلفت المضافات "الحورانية" حالياً، سواء بالشكل أو المضمون عن المضافات القديمة، ففيما يتعلق بطريقة بنائها أصبحت تبنى في الغالب من البيتون المسلح، وبمساحات أقل من القديمة، وتم الاستغناء عن المصاطب بالداخل، في الوقت الذي تقلصت فيه نسبة الإقبال على ارتيادها، على الرغم من تزايد انتشارها، نتيجة لتطور الحياة العصرية ووسائل الاتصال الحديثة، وانشغال الناس بأعمالهم اليومية، ليقتصر دورها على الضيافة واستقبال الضيوف، وإصلاح ذات البين، وذلك في مضافات الوجهاء من أهل "حوران"».