يعتبر "سهل الغاب" منجماً اقتصادياً وزراعياً وسياحياً خصباً لـ"سورية" بشكل عام، ولمحافظة "حماة" بشكل خاص، فهو يمتاز بموقع جغرافي مميز بين سلسلتي جبال الزاوية من الشرق وجبال اللاذقية من الغرب، ويمتد كذلك من هضبة مصياف جنوباً إلى جسر الشغور شمالاً، كما يتميز "سهل الغاب" بخصوبة أراضيه الزراعية وبعدد كبير من المواقع الأثرية والسياحية المترامية الأطراف، ما أثر ايجابيا على سكانه وخصوصاً بعد الاستصلاح.
موقع "eHama" التقى السيد "مصطفى تميم" فلاح من قرية "الفريكة" -/85/ عاما-، والذي حدثنا عن حال سهل الغاب قبل تجفيفه قائلا: «كان السهل عبارة عن مستنقع تغمره المياه من مدينة "السقيلبية" جنوباً حتى جسر الشغور شمالاً، باستثناء الأطراف الغربية والشرقية من سفوح الجبال، مشكلاً بحيرة طبيعية، وانتشرت فيه أعشاب مائية مثل "قصب الزل، القش المستخدم لنسج الأطباق والحصر"، وطيور متنوعة مثل "الغريري، الإوز، البط، والخضري، ...".
تم تخديم المنطقة بالكهرباء منذ عام /1985/، وتوالت الخدمات الصحية، شق الطرق وتعبيدها، الاتصالات... فانتقلت المنطقة نقلة نوعية
وكذلك كانت قطعان "الجاموس" المحبة للمستنقعات المائية موجودة في السهل، وهي ما تزال موجودة حتى الآن، وكانت نشاطاتنا تعتمد على صيد الطيور، الأسماك وتربية المواشي، إضافة لبعض الزراعات القليلة مثل "القمح، الشعير، البقوليات ..."، مستخدمين في زراعتها وحراستها أدوات بدائية».
وحول وسائل النقل المستخدمة في السهل قديماً أشار السيد "تميم" إلى أن «المركب أو المسمى باللغة المحلية (الجرف) الوسيلة الوحيدة التي استعملت لصيد الطيور والأسماك، والانتقال بين طرفي الجبال والقرى المتجاورة».
وتابع حديثه بالقول: «في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن العشرين، جاءت الحكومة بالشركات الألمانية والإيطالية لتجفيف الغاب واستثماره، من خلال شق الترع والقنوات وتوزيع الأراضي على الفلاحين، بعد ذلك بدأنا بزراعة كميات كبيرة من المحاصيل الشتوية والصيفية وكان الإنتاج وفيرا بسبب خصوبة التربة وتوافر المياه.
ولم يخل الأمر من بعض الصعوبات كطول فترة الحصاد وصعوبة نقل المحاصيل، لاعتمادنا على أدوات بدائية بسيطة، واستمر ذلك حتى دخول الآلة في ثمانينيات القرن العشرين››.
السيد "حسن عبود" مرشد اجتماعي في ثانوية "الفريكة" في سهل الغاب، تحدث عن التطورات التي شهدها سهل الغاب قائلا: «بدأ التطور بشكل أساسي بعد دخول الآلة الحديثة مثل "الجرار، الحصادة، ..."، والتي وفرت الوقت والجهد للفلاح ما أدى لزيادة الإنتاج.
ولم يتوقف التطور عند هذا الحد بل دخلت أساليب الري الحديثة بمساعدة الجهات المسؤولة في الدولة وإقامة المشاريع التنموية التي تخدم أبناء المنطقة كالسدود ومعامل للشوندر السكري في بلدات "سلحب، جسر الشغور".
أما بالنسبة للتعليم فقد انتشر بشكل واسع في المنطقة من خلال المدارس، وإقبال الناس على التعليم من كلا الجنسين، وانعكس التعليم بشكل كبير على ديناميكية التعامل مع متطلبات الزراعة الحديثة».
شهد "سهل الغاب" دخول عدد من الخدمات الأساسية مثل "الكهرباء والاتصالات، وغيرها" مما ساهم بنهوض السهل وتنميته بشكل أسرع، السيد "عبود" تحدث عن ذلك بالقول: «تم تخديم المنطقة بالكهرباء منذ عام /1985/، وتوالت الخدمات الصحية، شق الطرق وتعبيدها، الاتصالات... فانتقلت المنطقة نقلة نوعية».
والتقى موقع "eHama" المهندس "محمد حسن المنصور" مدير عام هيئة تطوير واستثمار الغاب، الذي أفاد الموقع بالمعلومات بعدد من الإحصائيات والأرقام المتعلقة بسهل الغاب في الماضي والحاضر حيث قال:
«يشكل سهل الغاب حوضا زراعياً نموذجياً غنيا بموارده الطبيعية. وكان عبارة عن بحيرة كبيرة نتيجة لتجمع مياه نهر العاصي المحجوزة عند عتبة قرية "القرقور" البازلتية، حيث تم كسرها عام /1958/ ضمن مشروع تطوير الغاب القديم، واستمر حتى عام /1968/.
واستكملت عملية تجفيف البحيرة وعمليات استصلاح الأراضي حتى أصبحت جاهزة للاستثمار الزراعي، وأقيمت شبكات الري والصرف الزراعي، حيث يقع سهل الغاب في منطقة الاستقرار الأولى، يحده من الغرب الجبال الساحلية ومن الشرق جبال الزاوية، ويمتد شمالا حتى جسر الشغور وجنوبا إلى هضبة مصياف، وبطول /60-70 / كم وعرض /12-15/ كم، وبعد تجفيفه واستصلاحه وزعت الأراضي على الفلاحين بموجب قانون الإصلاح الزراعي وتعديلاته عام /1969/، على شكل حيازات زراعية».
"المنصور" تناول واقع سهل الغاب وتطوراته الحالية بالقول: «تبلغ المساحة الإجمالية لمنطقة الغاب /140799/ هكتارا موزعه كما يلي "أراضي قابلة للزراعة /87114/ هكتارا، أراضي غير قابلة للزراعة /13889/ هكتارا-منها أبنية ومرافق، مسطحات مائية، أراضي صخرية، مروج ومراع وغابات طبيعية واصطناعية-".
يبلغ عدد سكان الغاب /500/ ألف نسمة، كما يوجد فيه العديد من الموارد المائية وهي موزعة كما يلي "الموارد الطبيعية مثل ينابيع، والأنهار، وموارد صناعية تأتي من السدود مثل "أفاميا، قسطون"، وأخيراً "المياه الجوفية" قسم منها لري المحاصيل الزراعية عن طريق الآبار وقسم آخر لزراعة الأسماك».
السيد "المنصور" تحدث لموقع "eHama"عن أهم المحاصيل والواردات الزراعية والحيوانية الموجودة في السهل بالقول: «يعد القمح الأول بين المحاصيل الزراعية التي ينتجها السهل بكمية تصل إلى /280/ ألف طن سنوياً، ويليه القطن /80/ ألف طن، والشوندر السكري بـ/400/ ألف طن، كما ينتج السهل العديد من أصناف المواشي مثل "الأبقار،الأغنام، الماعز والجاموس" وينتج الغاب سنويا /5800/ طن من الأسماك.
كما أحب الإشارة إلى أننا في "هيئة تطوير واستثمار الغاب" نعمل على رفع الإنتاجية من خلال تأمين المياه لري المحاصيل الصيفية وتطوير وزيادة نشاط الإرشاد الزراعي في مختلف المجالات، وإقامة دورات تدريبية للفنيين الزراعيين، ودورات للفلاحين لتوعيتهم وإرشادهم ونقل التقنيات الحديثة إليهم، واختيار أصناف محسنة من الحبوب واتباع طرق الري الحديث.
السيد "المنصور" تحدث عن المواقع السياحية الموجودة في السهل بالقول: «هناك العديد من المواقع السياحية الهامة في منطقة الغاب، على سبيل المثال لا الحصر موقع "القمة" (رأس الشعرة)، موقع صلنفة من جهة الغاب، قلعة ميرزا، محمية أبو قبيس ..
وأغلب هذه المواقع مخدمة، أما المواقع المؤهلة والمستثمرة هي "بحيرة جورين، طاحون الحلاوة، نهر البارد، عين كليب الأثرية، أبو كليفون...".
كما قامت "هيئة تطوير واستثمار الغاب" بأنجاز عدد من المواقع السياحية مثل موقع "وادي سرجان، جورة سلمان"، فقد جهزت بمقاعد بيتونية وخشبية وطاولات للخدمة ودورات مياه».
المهندس "المنصور" ختم حديثه بإلقاء الضوء على أهم المشاريع الحيوية والتنموية ومنعكساتها الإيجابية في تأهيل المنطقة سكانياً، زراعياً واقتصادياً حيث قال:
«لدينا مشروع متكامل لتنمية منطقة الغاب "الأغر وبوليسي" يعمل على خمسة محاور أساسية "الزراعة، الصناعة الزراعية، السياحة، الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، الإسكان"، ويهدف هذا المشروع إلى تحسين الواقع المعيشي لسكان المنطقة من كافة النواحي».