تعلم الموسيقا منذ نعومة أظافره، درس في المعهدين، العربي "صلحي الوادي حالياً" والمعهد العالي للموسيقا بدمشق ومن ثم سافر إلى "إيطاليا" لدراسة قيادة الأوركسترا.
هو الوحيد من يحمل شهادة بهذا الخصوص في سورية، يشغل حالياً منصب القائد الأساسي للفرقة السيمفونية الوطنية السورية منذ سبع سنوات، إنه الموسيقي والمايسترو "ميساك باغبودريان" الذي حاورناه في الأسطر التالية:
حضرت له أكثر من حفلة، يجعلك هذا الشخص جزءاً من المقعد الذي تجلس عليه صامتاً تسمع القطعة الموسيقية من أولها إلى آخرها، فقط تنتبه إلى حركاته المدروسة وهو يحرك عصا القيادة ليعطي لكل موسيقي مهامه. راهن الكثير بعد مرض "صلحي الوادي" أن تندثر السيمفونية الوطنية ولكن "باغبودريان" كسر هذا الرهان حيث قاد الفرقة من نجاح إلى آخر داخل الوطن وخارجه وهذه ليست شهادة مجانية أعطيها لهذا الموسيقي بل كتبت عنه العديد من الصحف أينما وضع رحاله ليس في قيادة الأوركسترا الوطنية فحسب بل في قيادته لكل الفرق العربية والأوروبية التي قادها في بعض الحفلات. لندعم مسيرة "باغبودريان" الذي اعتبره كنزاً وطنياً ينبغي الحفاظ عليه
** حصلت الحفلة مع أوركسترا "الدومينكان" على نجاح منقطع النظير، وكتبت عنها بعض الصحف ومدحت الحفلة بشكل عام وخاصة القطع السورية، لحرصي الدائم بأن أشرك الموسيقا السورية في الحفلات التي أقدمها خارج سورية، رافقني في هذه الزيارة عازف الكمان السوري مياس اليماني والذي بدوره أبدع كعادته كعازف "صولو" في أعماله التي قدمناه بها، أدهش الحضور وصفق له مراراً. أعتقد أننا قدمنا سورية بشكلها البديع، وأظهرنا لهذا البلد الذي لا يعرف عنا شيئاً بأن في سورية موسيقا وموسيقيين كما في أمريكا والغرب، وهذه ليست شهادة مني بل قالها الموسيقيون في "الدومينكان" وقائد فرقتهم الوطنية "خوسيه مولينا"، ليس في القطع الموسيقية السورية فحسب بل في البرنامج بأكمله حيث قدمنا الرابسودية الهنغارية للمؤلف فرانز ليست بمناسبة الاحتفالات العالمية بمرور مئتي عام على ولادة هذا المؤلف، ومقطوعة شهرزاد من تأليف "نيكولاي ريمسكي كورساكوف".
كيف رأيت الموسيقا في جمهورية "الدومنيكان"؟
الموسيقا في هذا البلد متلونة كما مناظرها الخلابة وغنية جداً تشبه الموسيقا الأفريقية الممتلئة بالإيقاعات السريعة، والموسيقيون الكاريبيون استفادوا من هذا التراث، ووظفوه في موسيقاهم الحديثة، وهذا ما رأيناه من خلال حفلة قائد فرقتهم المايسترو "خوسيه مالينا" في "دمشق" مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية.
ماذا قدمت في مهرجان "مينهير" بسويسرا؟
** أتتني دعوة لأشارك في فعاليات مهرجان "مينهير"، ولأقود أوركسترا المهرجان ذاته، وقدمت فيه أعمالاً لموزارت و"هايدن" إضافة لعمل للمؤلفة السويسرية المعاصرة "حنا هافريليت"، ونجحت هذه الحفلة أيضاً هذا ما لاحظته من خلال انسجام الحضور والموسيقيين المدعوين للمهرجان.
** يطلق مصطلح القيادة الموسيقية على العملية التي يقوم من خلالها شخص معين بتوجيه مجموعة من الموسيقيين في أداء عمل موسيقي مشترك، عندما يقوم عدد كبير من الموسيقيين بالعمل معاً لابد لهم من إيجاد طريقة للبدء سوية واختيار الإيقاع المناسب وموازنة الأصوات بين بعضها بعضاً وإيجاد شخصية واحدة للمقطوعة الموسيقية.
** بداية، وعندما كانت مجموعات صغيرة من الموسيقيين تجتمع لأداء بعض المقطوعات لم تكن هناك حاجة للقيادة، فقد كان أحد العازفين يتكفل بأداء هذا الدور معتمداً على قوس آلته أو على حركة رأسه، إلا أنه ومع ظهور الفرق الكبيرة بدأ الناس يحتاجون إلى قائد "متفرغ" للقيام بهذه المهام. وقد بدأ استخدام حركات الأيدي منذ العصور الوسطى كوسيلة للتعبير عن شكل الألحان. وفي الكنيسة جرت العادة أن يحمل قائد الفرقة بيده أي أداة توضح حركته، فكان يقوم بتحريك هذه الأداة إلى الأعلى والأسفل لتوضيح الإيقاع. وبهذا يكون قد ظهر أول شكل من أشكال عصا القيادة.
في القرن السابع عشر اختلفت أساليب توضيح الإيقاع حيث نلاحظ في صور من تلك الحقبة استخدام الأوراق الملفوفة أو قطعة خشب صغيرة مع استمرار استخدام الأيدي.
ويذكر أن عصا كبيرة تم استخدامها في قيادة الأوركسترا تسببت في موت المؤلف الموسيقي "جان باتيست لولي" الذي هرس قدمه بها أثناء قيادته مقطوعة Te Deum بمناسبة شفاء الملك، حيث التهبت قدمه بسبب الكزاز وتوفي بعد شهرين.
وفي المرحلة نفسها بقيت عادة أن يقوم أحد أعضاء الفرقة بقيادتها أثناء عزفه. وغالباً ما كان هذا الدور يسند للكمان الأول الذي كان يستخدم قوسه بمثابة عصا للقيادة أو عازف "الليوت" الذي كان يقود الفرقة بحركات رأسه. أما في المقطوعات التي كانت تستوجب استخدام "الهاربسيكورد"، فقد عهدت هذه المهمة إلى عازف هذه الآلة. وفي عروض الأوبرا كان هناك قائدا أوركسترا اثنان: عازف على إحدى الآلات ذات لوحة مفاتيح يهتم بالمغنين وعازف الكمان الأول الذي يهتم بالأوركسترا.
في بداية القرن التاسع عشر أصبح عرفاً أن يختص شخص بقيادة الأوركسترا دون أن يقوم بالعزف أثناء العرض على آلة موسيقية. وبدأ يتوسع حجم الأوركسترا وأصبح استخدام عصا القيادة مألوفاً أكثر لكونه أدق من حركة الأيدي والأوراق الملفوفة. ومن أوائل قادة الأوركسترا نذكر: "لويس شبور، كارل ماريا فون فيبر، لويس أنطوان جوليان، فيليكس مندلسون". ويمكننا من أسمائهم أن نكتشف أنهم جميعاً كانوا من المؤلفين الموسيقيين.
** إن استضافة موسيقيين زائرين هو أمر شائع في كافة الفرق العالمية، وهي تساهم في تبادل الخبرات ووجهات النظر بين الموسيقيين من جنسيات مختلفة ومن بيئات مختلفة وتتيح للفرق الفرصة للتعرف على ترجمات جديدة للأعمال الموسيقية، كما أنها تساهم في زيادة مرونة الفرقة تجاه أداء نفس المقطوعات بطرق مختلفة.
ولهذه الفائدة تقوم الفرقة السيمفونية الوطنية السورية باستضافة قادة أوركسترا وعازفين منفردين من مختلف دول العالم، حسب الإمكانيات المادية، أو حسب مقترحات السفارات الموجودة في سورية، أو حسب الاتفاقيات الثقافية بين سورية والدول الصديقة.
إضافة للجانب الموسيقي، فإن استضافة موسيقيين من الخارج يساهم في الترويج للفرقة أولاً، ولبلدنا سورية وللحياة الثقافية فيها ثانياً. وقد أعرب كافة قادة الأوركسترا الزائرين عن مفاجأتهم بالواقع الموسيقي السوري وبمستوى الفرقة بالنسبة لعمرها الشاب وبرغبة الموسيقيين السوريين بالتعرف على وجهات نظر جديدة.
** ما تزال الفرقة تعمل ضمن عدة توجهات وهي زيادة عدد المقطوعات الموسيقية في مخزونها وتقديم الإرث الموسيقي العالمي إلى الجمهور السوري، وتقديم أعمال المؤلفين السوريين داخل سورية وخارجها تعريفاً بهم وتشجيعاً لهم. كما تقوم الفرقة أيضاً بتقديم برامج خاصة لتأمين دخل مادي للفرقة لحفلات تطلب من قبل ممولين أو جمعيات خاصة.
** إن ما نطلبه بسيط جداً، تطبيق النظام المعمول به في الفرق العالمية على الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بغض النظر عن تبعيتها. إذ إن ما توصلت إليه الدول العالمية من نظام للفرق السيمفونية هو نتاج عقود طويلة من الخبرة في هذا المجال وسيكون من السهل جداً "استعارة" هذا النظام وتطبيقه على فرقتنا، بحيث يضمن استمرارية عمل الفرقة وتطوير مستواها الفني دون الدخول في المتاهات البيرقراطية والإدارية.
** إنه من المؤسف أن نرى موسيقيين ضحوا بسنوات طويلة من حياتهم للوصول إلى مستوى موسيقي محترف، يضطرون للعمل في هذه الملاهي لتأمين دخل مادي يسمح لهم بإعالة أسرهم. فهذا النوع من العمل يؤثر على صحة العازف وتركيزه وعلى نفسيته. وإذا أمعنا النظر في الموضوع، فإننا نجد أن هذا الموضوع يسبب هدراً في الاستثمارات التي تقوم بها الدولة. فليس كل طفل يدرس الموسيقا يستمر في دراسته ويصبح عازفاً في الفرقة أو يكون مؤهلاً للعزف فيها، أي إن كل عازف واحد من أعضاء الفرقة هو محصلة سنوات طويلة من الدراسة، وبالتالي فقدان أي عازف من هؤلاء يعني هدراً للوقت والمال وهو أمر يصعب تعويضه في وقت قصير. ولن نتمكن من حماية هؤلاء الموسيقيين إلا بتأمين رواتب جيدة لقاء عملهم في الفرقة، تغطي ولو بعض ما يتقاضاه في الملاهي.
** بالنظر إلى عدد الموسيقيين في سورية وعدد الفرق المنتشرة، نجد أنه هناك عدم توافق في الأرقام؛ فالواقع أنه إذا صدر اليوم قرار يلزم موسيقيي الفرقة بالعمل فقط في الفرقة فإن 90% من الفرق المنتشرة ستتوقف عن العزف. فنحن نجد نفس الموسيقيين يعملون تحت أسماء فرق مختلفة ويعزفون أساليب موسيقية مختلفة، وهو أمر يسبب الإرباك للموسيقيين أنفسهم ويضعف من نتاجهم الفني. وأنا أرفض الآراء التي تقول إن هذا التنوع يزيد من خبرة العازف، لأن هذا النوع من النشاطات يأخذ فعلياً من الوقت المخصص لراحة العازف نفسياً وفيزيولوجياً، وبالتالي من الوقت المخصص ليعيد شحن نفسه مادياً ومعنوياً. كما أنه من الممكن جداً أن تتعارض أوقات التدريبات لهذه الفرق، فماذا يفعل العازف حينها؟
ومن المهم أن نذكر أيضاً أن أية فرقة موسيقية، مثل أي فريق عمل مشترك، تحتاج إلى بعض الوقت ليتأقلم أفرادها للعزف معاً، وهو الأمر الذي يؤثر كثيراً على المستوى الفني للفرقة، وبتعدد الفرق التي يعزف فيها الموسيقي لن يتوافر لديه الوقت ولا التركيز للعمل على هذه الناحية.
وفي رأي للكاتب والصحفي "منار الزايد" يقول عن "باغبودريان": «حضرت له أكثر من حفلة، يجعلك هذا الشخص جزءاً من المقعد الذي تجلس عليه صامتاً تسمع القطعة الموسيقية من أولها إلى آخرها، فقط تنتبه إلى حركاته المدروسة وهو يحرك عصا القيادة ليعطي لكل موسيقي مهامه.
راهن الكثير بعد مرض "صلحي الوادي" أن تندثر السيمفونية الوطنية ولكن "باغبودريان" كسر هذا الرهان حيث قاد الفرقة من نجاح إلى آخر داخل الوطن وخارجه وهذه ليست شهادة مجانية أعطيها لهذا الموسيقي بل كتبت عنه العديد من الصحف أينما وضع رحاله ليس في قيادة الأوركسترا الوطنية فحسب بل في قيادته لكل الفرق العربية والأوروبية التي قادها في بعض الحفلات. لندعم مسيرة "باغبودريان" الذي اعتبره كنزاً وطنياً ينبغي الحفاظ عليه».