مراحل غسيل متعددة بالماء والملح يخضع لها نبات "القرص عنه" لكسر حدة مذاقه ولذعته التي تميز بها، بهدف الحصول على طبق سلطة تراثي اعتاد الأجداد على تناولها منذ القدم.
لقد تميز نبات "القرص عنه" بمراحل إعداد متعددة ومميزة عن بقية النباتات البرية التي تجمع من الطبيعة، وهذا بهدف الحصول على طبق سلطة منه، توضحها السيدة "نوال خضور" من أبناء ريف مدينة "بانياس" لمدونة وطن eSyria عندما التقتها بتاريخ 11/5/2013 حيث قالت: «بعد العودة من جولة التسليق وجمع الكمية الكافية من نبات "القرص عنه" تبدأ مرحلة التنظيف الأولية للتخلص من الأتربة العالقة عليه واقتطاع الأجزاء غير المرغوب بها منه ريثما نعود إلى المنزل.
"القرص عنه" نبات عشبي ينمو قريباً من سطح التربة، ويكون متعدد الأوراق وذا لون أخضر قاتم دليلاً على غناه بالمعادن، وهو نبات لا يزهر وإنما يبذر بذوراً فقط تتساقط في فترة معينة لتنمو في سنة قادمة بعد هطول الأمطار بفترة
وبعد العودة نقوم بغسل النبات جيداً بالماء للتخلص من مختلف الشوائب العالقة عليه، ومن ثم يوضع في وعاء بلاستيكي مثقب حتى يصفى من الماء لنقوم بعدها بتقطيعه إلى مربعات متوسطة الحجم ومتساوية تقريباً، ويعاد إلى ذات الوعاء البلاستيكي ويرش فوقه كمية من ملح الطعام للتخلص من لذعته التي تميز وعرف بها عن بقية النباتات البرية التي يتم جمعها من البرية بهدف التناول، وهنا يغسل النبات للمرة الأخيرة بالماء فقط للتخلص من بقايا الملح غير الذائب، فتصبح الأوراق غضه طرية.
وبعدها نقوم بعملية تحضير الخضار الطازجة المجنية من الحاكورة الموجودة في حديقة كل منزل ريفي في الريف الساحلي».
تضيف: «وهذه الخضار هي بعض حبات البندورة فقط، حيث تقطع إلى مربعات متوسطة الحجم لتظهر جيداً ضمن طبق السلطة، مما يزيد من جمالية هذا الطبق بالإضافة إلى أنه يفتح شهية متناوله، ثم تقشير بعض حبات الثوم ودقها مع قليل من الملح، ويوضع فوقها الحامض والزيت البلدي.
وتخلط هذه المكونات جميعها جيداً مع بعضها بعضاً لتتفاعل ويضفي كل مكون نكهته المميزة على الآخر، فيكون طبق السلطة جاهزاً لتناوله».
إن نبات "القرص عنه" هذا النبات المغذي والمفيد يحتاج إلى طرق متعددة وعملية بحث طويلة للحصول عليه من الطبيعة، نظراً لوجود نبات شبيه به غير قابل للتناول، وقد يجتاز الرجل أو السيدة الريفية مئات الأمتار للحصول على نبته واحدة ضمن جولة برية تسمى وفق الطقوس والعرف التقليدية التراثية برحلة "التسليق".
هذا ما وضحه السيد "محمود إبراهيم" من أبناء قرية "خربة السناسل" التابعة لريف مدينة "بانياس" قائلاً: «مع انتهاء فصل الشتاء وانقطاع مرحلة هطول الأمطار قليلاً ومن ثم عودتها للهطول، تبدأ النباتات البرية بالظهور في الطبيعة البرية الساحلية، وهنا تبدأ جولاتنا البرية بحثاً عن هذه النباتات البرية المغذية والمفيدة والتي اعتدنا على تناولها في وجباتنا اليومية، ومنها نبات "القرص عنه" الذي ينتشر في الطبيعة الساحلية بكثرة.
حيث نقوم بتحضير رحلةٍ لتسليقه مؤلفين مجموعة من الرجال أو النساء، ويحمل كل منا حقيبته القماشية التي يصنعها بيديه من قطع قماشية بالية، ويحمل سكيناً صغيرة لزوم اقتلاع النبات من جذوره، إضافة إلى بعض الطعام الخفيف الذي يحلو مذاقه مهما كان بسيطاً بين أحضان الطبية البرية، كسلق بعض حبات البطاطا وتجهيزها وإلى جانبها بعض حبات البندورة والخيار والزيت البلدي وبعض خبز التنور.
وعند العثور على "القرص عنه" يتم التحقق منه أولاً وماهيته وهل يمكن تناوله، لأنه يوجد نبات بري يشبه نبات "القرص عنه" وهو نبات لا يمكن تناوله، وبعد عملية التحقق تغرز السكين في أسفل النبات وصولاً إلى جذره ويتم اقتلاعه بهدوء كي لا تتضرر الأوراق وتتكسر، فهي أوراق حساسة للمس، وهنا يكون جاهزاً لتتعامل ربة المنزل معه».
السيد "حسان حسين" بائع بسطة في سوق الخضار أكد أن «جميع محبي تناول الأعشاب البرية المعروفة بفوائدها يسألون عن بنات "القرص عنه" في كل جولة تسوق يقومون بها ويقصدونني، ومنهم من يسألني عن هذا النبات بشكل مباشر ويوصي بجلبه له في يوم آخر إن لم يكن متوافراً لدي في هذا اليوم، وهذا لأنهم مدركون قيمته الغذائية المخفضة لنسبة الكوليسترول في الجسم، والمفيدة لعمليات الحمية الصحية».
وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن اسماعيل" تحدث عن طبق سلطة "القرص عنه" فقال: «يعتبر طبق السلطة المكون من نبات "القرص عنه" مكوناً أساسياً، ومن الأطباق التراثية التي اعتدنا على تناولها في المجتمع الريفي الساحلي منذ القدم، فكثيراً ما سألت المعمرين عنه فأجابوني بأنه طبق مميز بالنسبة لهم إلا أنه يحتاج إلى سيدة ماهرة لتحضيره خلافاً لبقية النباتات البرية التي يتم تسليقها.
فطريقة تحضيره وغسله بالملح ضرورية ليستمتع متناوله بمذاقه الشهي المميز، وبشكل عام هو وجبة غذائية متكاملة لأن مكوناته من الخضار الطازجة سهلة الهضم، لذلك يصنف من أطباق المقبلات في أغلب المطاعم الشعبية والفاخرة على حد سواء، وهو مطلوب قبل كل وجبة غداء دسمة لأنه يسهل عملية الهضم، إضافة إلى أن تناوله وحده يعتبر وجبة غذائية متكاملة من حيث البروتينات والمعادن المتوافرة فيه».
ويختم حديثه بالقول: «"القرص عنه" نبات عشبي ينمو قريباً من سطح التربة، ويكون متعدد الأوراق وذا لون أخضر قاتم دليلاً على غناه بالمعادن، وهو نبات لا يزهر وإنما يبذر بذوراً فقط تتساقط في فترة معينة لتنمو في سنة قادمة بعد هطول الأمطار بفترة».