طورت طريقة حركتها الميكانيكية لتناسب وضعها كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة فأبدعت ملابس مبتكرة على مكنة الخياطة التقليدية وتوسعت الحرفية "مارو حتري" في حياكة الصوف وتفصيل الملابس القماشية ، وأنتجت قطعاً تناسب طبيعة بيئتها الباردة.
الحاجة والابداع
رغم أنها تسكن بالريف البعيد عن مدينة "بانياس" في قرية العريض القريبة من بلدة "تعنيتا" إلا أنها وجدت لنفسها فرصة العمل عبر التواصي المسبق على مشغولاتها الصوفية والقماشية، كما تقول مارو حتري: اعتمدت على برودة المناخ بشكل عام في المنطقة، وحاجة الناس للشعور بالدفء في ظل عدم توفر المحروقات الكافية في الأوقات الباردة، فصنعت الجوارب والطواقي والستر السميكة بتفاصيل متعددة لتقي المستخدم برودة الطقس، وهذا لم يكن متوفراً بشكل عام في الستر الصوفية الجاهزة كونها تجارية، وتتابع حديثها: لذلك قررت أن أواكب حاجة السوق عبر قطبة صوفية سميكة مختلفة عن القطبة العادية، بطريقة متميزة ومختلفة عن المنتجات المماثلة لها في السوق.
عرفت "مارو" بين زملائها في سوق المهن اليدوية بتصميمها وإرادة القوية وصبرها وابتسامتها الدائمة رغم صعوبة ما تقوم به كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وهذا ما يجعل من الترويج لمنتجاتها عبر المعارض والأسواق الجديدة شيء مهم لاستمراريتها، فهي كما البقية من الحرفيين بحاجة الدعم من خلال تقديم المواد الأولية ولو بسعر التكلفة من المصدر أو ضمن أماكن مخصصة بهم يتم التعريف عنها، ورغم هذا نرى أن عنوان أعمالها اليدوية ورسالتها الواضحة لمن يقول لا يوجد عمل انه لا يوجد إعاقة سوى الإعاقة الفكرية
وأكدت الحرفية "مارو حتري" لمدونة وطن eSyria أن صعوبة العمل والوقت الطويل الذي يتطلبه إنتاج كل قطعة لم يكن عائقاً بالنسبة لها نظراً لظروفها الصحية الصعبة، بل على العكس كان لها مشجعون ومساندون من زملائها الحرفيين، ما شجعها على المشاركة بالمعارض التي يقيمها اتحاد الحرفيين، وهذا ساهم بتطوير مهاراتها وأدواتها وعرض خطواتها التطويرية في مجال عمل القطبة.
روح التراث
لم تكتف الحرفية "مارو" بما تعلمته من والدتها وجدتها وما قدمته لحرفة حياكة الصوف المتشعبة جداً، بل حاولت الاستفادة من ثورة المعلومات والاتصالات للوصول إلى خفايا الحرفة لدى مختلف الثقافات بكونها تعتبره إرثاً يجب المحافظة عليه، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي حيث وظفتها لعرض منتجاتها بشكل مستمر، والتواصل مع الزبائن وتجاوز معوقات وضعها الخاص فتقوم بإرسال تفاصيل القطع المشغولة وأسعارها فور الانتهاء منها ليتسنى للزبائن الاختيار فيما بينها، وتوضح مارو بعض التفاصيل: «بدأت مع جدتي ووالدتي منذ كان عمري اثني عشرة عاماً، وكنت أحصل على النصائح منهما في كل عمل أقوم بتقليدهما به، حتى منحتاني الثقة الكبيرة بعد خضوعي لعدة اختبارات وتجارب حيث أثبتت أنه يمكن التكفل بتفاصيل أي عمل لوحدي، وكوني من ذوي الاحتياجات الخاصة زاد ذلك من إصراري على تكوين شخصيتي المستقلة، وتشكيل ملامح وبصمة خاصة بي في مجال حياكة الصوف والكروشيه.
وأضافت زينب ماضي"إحدى قريباتها": هذا كان له انعكاس كبير في تصميمها على متابعة عملها بالصوف والكروشيه وتطويره فهي تبدع في كل قطعة تنتجها وتقدم أفكاراً خلاقة كحياكة ملبوسات حماية للأدوات الحساسة في المنزل، وكذلك الملبوسات الخاصة بالمناطق الباردة انطلاقاً من تراث المنطقة وثقافتها وعاداتها الاجتماعية.
ثقة وتحدٍ
لم تبخس يوماً في عملها الذي منحته حبها وشغفها الكامل، بل طورته وتجاوزت من خلاله تحديات كونها من ذووي الاحتياجات الخاصة فاستخدمت منتجات قماشية قامت برسم أشكالها الأولية على الأوراق ثم صممتها واقعياً باستخدام ماكينة الخياطة التقليدية التي تعمل على دواسة القدم بعد أن قامت بتعديلات عليها لتناسب قدراتها الجسدية، وتتابع مارو حديثها: هذه الثقة بقدراتي وإمكانياتي لم تدفعني للتعالي وإنما بقيت منتجاتي المعروفة على مستوى قريتها الريفية والقرى المحيطة بها بسيطة وفق ما تراها، وذلك كي أحافظ على شغفي وحبي للعمل وكنت أشعر بالسعادة حين الانتهاء من إنجاز أي قطعة وكأنها وليدي الصغير، وتضيف : «شعور رائع يولد لدي بعد الانتهاء من تشطيبات أي قطعة صوفية أم قماشية، ففي كل منها بصمتي الخاصة التي يدركها الزبائن فور رؤيتها، وهذا بالنسبة لي كان دافعاً للبحث عمن يدعم مشروعي ويقدم لي المواد الأولية التي ترتفع أسعارها كل فترة ولا يمكنني مواكبتها باستمرار».
وتتابع حديثها: أسعى كربة منزل تمارس مختلف أعمالها واهتماماتها المنزلية " لا أستطيع الحركة من دون العكازات" دوماً للمحافظة على قطع الأثاث الثمينة عبر صنع حمايات لها من الصوف السميك، وكذلك الامر بالنسبة للأشياء الحساسة كالزجاجيات والتراثيات كالكراسي المصنوعة من القش، حيث كان التجريب على أدواتي وأثاثي المنزلي أولا، ما أضفى عليها جمالية وحماية في آن واحد، إذا هي ، كتحدي شخصي للإعاقة.
قدوة وعطاء
وحتى على مستوى التحصيل العلمي كانت الحرفية "مارو" تنتظر عودة إخوتها من المدرسة لتستمع لدروسهم المدرسية وتشاركهم بحل الوظائف اليومية كونها لم تستطيع ارتياد المدرسة نتيجة وضعها وصعوبة مساعدتها على ارتيادها بشكل نظامي، وفق ما أكدته "زينب ماضي" أحدى قريباتها
ويؤكد عضو مجلس اتحاد الحرفيين في طرطوس "منذر رمضان"، أن الحرفية "مارو" أعطت كل قطعة أنتجتها شيء من روحها الجميلة النقية، يدركه الزبائن مع اقتناء كل قطعة جديدة، واللافت بالأمر الاصرار الدائم على العطاء وعدم التوقف رغم الظروف الصعبة التي تعاني منها كحرفية لها متطلباتها الدائمة من المواد الأولية، وهذا ما يجعل دعمها وزملائها واجب على المجتمع المحلي والرسمي.
ويضيف: «عرفت "مارو" بين زملائها في سوق المهن اليدوية بتصميمها وإرادة القوية وصبرها وابتسامتها الدائمة رغم صعوبة ما تقوم به كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وهذا ما يجعل من الترويج لمنتجاتها عبر المعارض والأسواق الجديدة شيء مهم لاستمراريتها، فهي كما البقية من الحرفيين بحاجة الدعم من خلال تقديم المواد الأولية ولو بسعر التكلفة من المصدر أو ضمن أماكن مخصصة بهم يتم التعريف عنها، ورغم هذا نرى أن عنوان أعمالها اليدوية ورسالتها الواضحة لمن يقول لا يوجد عمل انه لا يوجد إعاقة سوى الإعاقة الفكرية».