في "ماردين" هذه المدينة العتيقة، تجاور تاريخياً "عرب" و"سريان" و"أكراد" و"أرمن"، والتي هجرها الكثير من ساكنيها إلى الجزيرة السورية وإلى "لبنان"، بعد مجازر ارتكبها الاحتلال العثماني و"المردلية" أو "الماردينية" التي يسميها السوريون "اللهجة الجزراوية" وهي لهجة عرب ماردين، ويتحدثها أيضاً بعض القبائل مثل "المْحَلَّمِيَّة" الذين كانوا يسكنون في منطقة "طور العابدين".
تمازج لغات
وهذه اللهجة تمتد اليوم من "ماردين" إلى "موصل" مروراً بالجزيرة السورية، كما تحدث الباحث والكاتب الجزراوي "محمد بيري" الى "مدونة وطن" ويتابع: «من خصائص هذه اللهجة، لفظ الضمة على الفعل الماضي مثل "قلتُ"، وإضافة الياء على كاف نسبة المؤنث "جارتكي بدلاً من جارتكْ"، عموماً اللهجة "المردلية" في هيكليتها الأساسية هي العربية ولكنها ممزوجة باللغات التي عاشت معها».
من خصائص هذه اللهجة، لفظ الضمة على الفعل الماضي مثل "قلتُ"، وإضافة الياء على كاف نسبة المؤنث "جارتكي بدلاً من جارتكْ"، عموماً اللهجة "المردلية" في هيكليتها الأساسية هي العربية ولكنها ممزوجة باللغات التي عاشت معها
ويقول أيضاً: «هكذا هي الموسيقا والأغاني لديهم أيضاً، حيث تتقاطع مع العديد من الثقافات التي وجدت بالمنطقة التي نشؤوا فيها، حيث يمتزج في ألحانها المقامات العربية والسريانية والكردية والتركية، وبقيت غريبة عن الناس لبعدها عن المركز والعواصم فلم تجد مكاناً في الإعلام إلا قليلاً، وتعرضت للتشويه لدى أغلب من أدوا في الآونة هذه الشكل الغنائي وخاصة المشهورين منهم أو مايسمون بنجوم الغناء في الساحة العربية لعدم اتقانهم اللهجة بشكل صحيح ولعدم معرفتهم بالروح والاحساس التي يتسم بها هذه الأغنية، أما الأسلوب الصائب بقي حبيس أعراس الجزراويين والمردليين والحفلات الخاصة ومن أشهر الأغاني المردلية أغنية "ياردلي ياردلي سمرا قتلتيني" كونها سمعناها من الفنان العراقي المعروف "سعدون جابر" لتنتشر بصوته في الوطن العربي ».
جان كارات
ويختم "بيري" حديثه عن أعلام الغناء المردلي: «من المغنيين المشهورين لهذا النمط الفنان الراحل "جان كارات"، المغني السرياني ولكنه اشتهر في الغناء المردلي أيضاً وهو من مواليد مدينة القامشلي سنة 1949وعاش في مسقط رأسه حتى وفاته عام 2003 ومن أشهر أغانيه "مدللتي" و " شمس حياتي"، وهناك أيضاً ابنه "فادي كارات" من مواليد القامشلي 1980 ومن أشهر أغانيه "دنية شتي"، "آخ يادي"، ويمكن القول بأن كل المطربين في الجزيرة السورية يؤدون هذا الشكل الغنائي وبجدارة».
ثقافات متعددة
"عبود فؤاد" فنان من مدينة "القامشلي" غني عن التعريف، كرّس نفسه لأداء الأغنية المردلية وله عشرات الأغاني المردلية من كلماته وألحانه، يقول عن هذه الأغنية: «لايمكن الحديث عن الأغنية الماردينية أو المردلية من دون التطرق إلى منابتها الأساسية، فهي نسبة إلى مدينة "ماردين" الواقعة اليوم في جنوب "الأناضول"، هذه المدينة التي تشتهر بفن العمارة الأرتقية وتضم العرب والسريان والكورد والآشوريين، ويشكل العرب السوريون الأصل نصف السكان في المدينة ويشكل الأكراد النصف الثاني، و"القامشلي" كمدينة تأسست من نزوح أهل "ماردين" إليها حاملين لهجتهم وأغانيهم وعاداتهم وأمثالهم الشعبية وحتى المائدة الماردينية الشهيرة، وهذا ما يجعلها مدينة مكتملة بتنوعها وثقافاتها وتطلعها إلى الارتقاء، ويمكن القول بأن الأغنية المردلية وليدة هذه الثقافات بأكملها بل مزيج من هذه الثقافات».
أغان وموسيقا
وأضاف: «في الأغاني المردلية مفردات غير عربية كما أسلفت، ربما أستطيع أن أشبه هذه اللهجة بأشعار "عمر الخيام" هذا الشاعر الكبير الذي يمزج مفردات أكثر من لغة في قصائده، وكذلك الأمر عند الشاعر الصوفي "ملّا أحمد الجزيري".
وأنهى حديثه قائلاً: «في الأغنية المردلية نستخدم كثيراً "ضلالي" والتي تعني "الحبيبة"، وكلمة "قربان"، وعلى سبيل المثال أقتطف هذه الكلمات من أغنيتي "قربان لسمّاك"
...قربان لسمّاك قربان لخلّاك
وأنت بين النّيس "تعني الناس" بجمالك ملاك
من نظرة عينيك ضلال انتا فبالي
صدقني عيني موتنام "تعني لاتنام" بعدك ياغالي...
وهذا النمط من الأغنية تأثرت أكثر من غيرها بالتراث الغنائي في المنطقة كما لهجتها تماماً».
من جانبه يقول الموسيقي الأكاديمي "ريناس ملكي": «إن الآلات الموسيقية الأساسية التي ترافق الأغنية هي الآلات التقليدية في المنطقة مثل "البزق" و "الطنمبور" و"الجمبش"، إضافة إلى آلة الإيقاع، قبل أن تغزوها آلة "الأورغ" التي تشوه نوعاً ما بريق هذه الألحان وتفقد من إحساسها وروحها الكثير».