تَزامن تأسيس مؤسسة الخطوط الجويّة السوريّة تحت مُسمى شركة الطيران العربية السورية مع إعلان الاستقلال عام 1946، لِتبدأ مشواراً طويلاً بوصفها الناقل الحكومي الوحيد، وإلى اليوم لا زالت تُؤدي دورها باحترافيّة، رغم كل الصعوبات التي واجهتها طيلة ثمانيةٍ وسبعين عاماً، أبرزها التحديات التي فرضتها سنوات الحرب الأخيرة.
محطات
يستعرض مدير عام مؤسسة الخطوط الجوية السورية المهندس حاتم كباس أهم المحطات في تاريخ المؤسسة، وهي على حد تعبيره جزءٌ من تاريخ البلاد، وشاهدٌ على مُختلف الوقائع والأحداث فيها، في مُقدمتها إعلان الوحدة مع مصر 1958، حيث انضمت المؤسسة إلى ما سُميّت وقتها الشركة العربية المتحدة للطيران، وهو الاسم الذي احتفظت به مصر بعد الانفصال سنواتٍ عدة. وفي السياق ذاته تغيّر اسم المؤسسة أكثر من مرة، ففي عام 1975 حملت اسم مؤسسة الطيران العربية السورية بدلاً عن كلمة "الشركة"، وفي العام 2020 صدور المرسوم رقم واحد الذي أسماها مؤسسة الخطوط الجوية السورية.
ومن المحطات الفارقة في تاريخ المؤسسة أيضاً شراكتها مع منظماتٍ دوليّة، يُضيف كباس في حديثه إلى "مدوّنة وطن": " عام 1965 انضمت إلى الاتحاد العربي للنقل الجوي، وفي عام 1967 انضمت إلى الاتحاد الدولي للنقل الجوي "الأياتا" المعني بتنظيم العمل التجاري لشركات الطيران في العالم، وفي عام 1944 كنّا أعضاء مؤسسين في منظمة الطيران المدني الدولي "الإيكاو" التي تُعنى بسلامة الطيران، وهي تُصنّف حوادث الطائرات إلى نوعين incident أي الحادث الذي لا يؤدي إلى خسارة بشرية، وaccident الحادث الذي يؤدي إلى خسارة في الأرواح مهما كانت محدودة".
وهنا يُشير كباس إلى أن مؤسسة الخطوط الجوية السورية لم تتعرض لأي حادث أدى إلى خسارات في الأرواح لكن في سجلاتها حوادث من النوع الأول كأي شركة في العالم تتعرض لأعطالٍ اعتيادية، وهذا رفع تصنيف الشركة من ناحية الأمان إلى نسبة عالية جداً، مُضيفاً للمدوّنة: "قد يقول البعض إن احتمالية وقوع الحوادث عندنا غير واردة بسبب قلّة عدد الطائرات لكن الاحتمال قائمٌ حقيقة أيّاً كان العدد، غير أن السبب فعلياً يعود إلى تضافر جهود الجميع، ليس فقط الطيارين الذين هم على كفاءة عالية إنما الفريق كاملاً من الموظفين والمهندسين والفنيين وعمال الصيانة المشهود لهم على مستوى الشرق الأوسط".
حضور مستمر
يستحضر كباس مراحل إنشاء أسطول طيران الخطوط الجوية، حيث باشرت الشركة عملها مع طائراتٍ تتسع من 10 إلى 12 راكباً، ثم انتقلت كما يشرح إلى سلسلة طائرات من طراز "داكوتا" ذات سعات مختلفة، وفي عام 1967 تجاوزت مرحلة الطيران المكبسي إلى الطيران النفاث، مع شراء ثلاث طائرات فرنسية "سوبر كارفل" بسعة 120 راكباً، وفي سعيها لمواكبة ما يستجد في عالم الطيران، اقتنت عام 1976 ثلاث طائرات 727 الأحدث في تلك الفترة، وطائرتين "البدن العريض جامبو" بسعة320 راكباً، والتي كانت تتميز بقدرتها على الطيران حوالي 14 ساعة متواصلة من دون التزود بالوقود، ما ساهم في تشغيل خطوط جديدة للشركة، فوصلت إلى 42 محطة في العالم من بينها "دلهي، كراتشي، موسكو، فيينا، برلين، روما، مرسيليا".
يُضيف كباس للمدوّنة: عام 1992 أهدتنا دولة الكويت ثلاث طائرات 727، وفي عام 1987 اشترينا ثلاث طائرات روسية، ومع حلول عام 1998 اشترت السورية ست طائرات من الأحدث في العالم 320، وفي هذه الفترة بدأت الطرازات القديمة تخرج من الخدمة تباعاً، تلاها عام 2010 شراء طائرتين ATR "نفاثة مروحية" استمرت في العمل حتى عام 2016، واليوم يضم أسطول الخطوط الجوية 16 طائرة تعمل منها ثلاث فقط، لكن مع ذلك نفخر بأننا لم نغب عن السماء منذ التأسيس، ولم تتوقف خدماتنا وبرامجنا ورحلاتنا رغم المعوقات الكبيرة".
السلامة والأمان
تستوعب المؤسسة كل ما يرد إليها من شكاوى وانتقادات، على ما يُؤكده المدير العام، لكنه يرفض بشدة أي عتب أو لوم يُوجّه فيما يتعلق بتأخر الرحلات، ويقول: "هذا يحدث في أكبر شركات الطيران في العالم، والسبب دائماً عدم المغامرة والمجازفة بحياة الناس، بالطبع أحياناً يحصل التأخير بسبب عوامل بشرية لكنه يحدث أيضاً لأسباب مُفاجئة خارجة عن إرادتنا، وفي كل الأحوال نحرص كل الحرص على السلامة والأمان، ونتقبّل مرات أن يحملنا المواطن نتيجة عدم تبليغه مثلا ًبتغيير موعد رحلة ما، علماً أن من يتحمل الخطأ في هذه الحالة هي مكاتب السياحة والسفر التي يتم الحجز عن طريقها وليست المؤسسة".
يقول أيضاً: "مع فرض العقوبات على قطاع الطيران بسبب ظروف الحرب، عايشت الخطوط الجوية صعوباتٍ وتحدياتٍ عديدة لكنها بذلت جهوداً كبيرة بالتعاون مع دول صديقة بهدف الاستمرار، كحاملٍ للعلم الوطني وسفيرٍ مُتنقلٍ يُمثل سورية، اجتهدنا للبقاء رغم أن كثيراً من الدول ومنها عربية توقفت عن منحنا الأذونات للهبوط على أراضيها، وأخرى منعتنا من المرور فوق أراضيها، ما أدى الى إطالة
وقت الرحلات بسبب حالات الالتفاف التي نضطر للقيام بها، حتى إننا ندفع رسم عبور فوق الدول التي نطير فوقها، وهذا كان سبباً في غلاء التذاكر، مُضافاً إليه سعر الوقود المتغيّر وكلف الصيانة، عدا عن الأرصدة المالية المحجوزة في الخارج بسبب العقوبات، نحن نعيش واقعاً صعباً لا نريد تجميله لكن نعمل للتغلّب عليه".
ظروف قاهرة
مدير الشؤون الفنية في المؤسسة المهندس ناصر أبو علي تحدث للمدوّنة عن صعوباتٍ قاهرة تُعيق العمل، ولا سيما في مجال صيانة الطائرات، يقول: "العقوبات الجائرة على سورية تمنع حصولنا على أي قطع تخص الطيران، وهذه إشكالية كبيرة في مجالنا، إضافة إلى نقص التمويل الداخلي بسبب الظروف الصعبة حالياً، مع عدم المرونة في بعض القوانين التي لا تتماشى مع الوضع القائم".
أما عن الكفاءات العاملة في الشؤون الفنية، فهم كما يقول أصحاب ضمائر صاحيّة وعلى درجة من الجدارة والحرفيّة، مُلتزمون دائماً بشروط السلامة، التي أكسبت المؤسسة سمعة طيبة بحرصها على أمان المسافرين وراحتهم.
تميز وعراقة
يشير الدكتور عدنان عزوز، المدير الإقليمي لاتحاد نقابات العمال العالمي في الشرق الأوسط الى تميز الطيران السوري عبر مسيرته الطويلة بنقاط مضيئة أبرزها ثقة العملاء بالطيارين وشعور الأمان الذي يرافق المسافرين إضافة الى سوية الخدمات المقدمة على الطائرات اثناء السفر والتي تضاحي اشهر الشركات العالمية وخاصة خدمات الاطعام ويضيف عزوز: من خلال طبيعة عملي وسفري الدائم كنت دائما أسعى للسفر عبر الخطوط الجوية السورية والتي لم تتأثر خدماتها وسمعتها خلال فترة الحرب باستثناء تداعيات الحصار الغربي ومنعها من تجديد أسطول طائراتها او الوصول الى بعض البلدان وأذكر في إحدى السنوات وانا في لندن ان الخطوط الجوية السورية نالت المركز الأول في مهارات الإقلاع والهبوط في مطار هيثرو الدولي وهذا يدل على مدى حرفية طياريها.
خاتم