بين العلم والمعرفة والتخصص تستهويك ألفاظه وتعابيره الدقيقة الواثقة ثقة خبير في مجال اختصاصه، إنه الدكتور علي بوعساف المدير العام للآثار والمتاحف الأسبق، الذي التقاه موقع esuweda في الحوار التالي:
هناك عدد قليل جدا من التلال الاثرية في المحافظة على عكس ما هو معروف في محافظات القطر الشمالية التي تكثر فيها الآثار من زمن العصور المتاخرة.. والمقصود بها العصر النبطي.. ثم الغساني فيما يتعلق بالآثار القديمة، منها على سبيل المثال على اطراف البادية (الهبارية) و(الامباشي). وفي الداخل تل الظهير في قرية الكفر وتل نبع عرى وتل الدبه.
وهذه التلال صغيرة اذا ما قيست بالتلال التي نراها في محافظات حمص وحماة او في الجزيرة.
في خربة (الامباشي) جرت تنقيبات دلت على ان هذا الموقع قد يكون في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد بينما تجري تنقيبات اثرية في التلال الاخرى ونستدل من الكسر الفخارية التي جمعناها من على سطوح هذه التلال انها قد سكنت ايضا في نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث قبل الميلاد.
والجدير بالذكر في موقع (لبوة) على اطراف اللجاة الشرقية غرب قرية المتونة نستطيع ان نرى قرية من الألف الثالث قبل الميلاد، ببيوتها ومعبدها، ببركتها وبأقنية الماء، التي كانت تزود هذا الموقع.
وهناك بعض المعابد، ونخص معبد (المشنف) الذي بناه الانباط من طراز نبطي خاص.
ذلك لان البعثات الاجنبية لاتقصد هذه المناطق لان التنقيبات الاثرية التي جرت في المملكة الاردنية الهاشمية وفي فلسطين لم يعثر فيها المنقبون على لوحة او رقم طينية أي لم يعثروا على وثائق، بينما معظم التلال في الجزيرة مثلا وفي محافظة حلب عثرنا فيها على رقم طينية ووثائق وكتابات، لان الوثيقة هي المصدر الاهم لكتابة التاريخ لاي منطقة والتعرف على آثارها ووصفها ونسبها الى أي عصر، لذلك نرى ان البعثات الاجنبية قد ابتعدت عن المنطقة الجنوبية واتجهت شمالا.
في الواقع ان السويداء هو الاسم العربي الذي اخذ عن السم النبطي (سودا) اما السويداء فلفظت بهذا الشكل لانه يعطي نغمة موسيقية مختلفة عن (سودا) وربما كانت تعني الاسود باعتبار الحجر البازلتي المتوافر بهذه المنطقة ومبانيها كلها من الحجارة السوداء ومع الاسف اصبحنا نستخدم الاسمنت اكثر بكثير من الحجارة.
موقع سيع هو من بقايا التراث النبطي ومع الاسف هذا الموقع هدم وخرب وكسر ونهبت حجارته ونقلت واجهة معبد (شمين) هذا المعبد الذي كانت تحج اليه جميع القبائل العربية، الى الولايات المتحدة الاميركية منذ اكثر من الف عام وهو الآن في مدينة (برنستون).
اذن لم يبق من سيع الا اساسات المعبد والسور وبعض البيوت. ايضا قلعة صلخد هذه القلعة العربية التي يبدو لنا ان الانباط بنوها، لم يبق من آثار العصر النبطي سوى منحوته حجرية يراها الزائر في احد جدران القلعة.
يذكر المؤرخون العرب ان الغساسنة قد بنوا اديرة كثيرة في المحافظة ونحن نعلم من من دراسة الطرز المعمارية لهذه الكنائس والاديرة انها من العصر الغساني. ومن المعلوم ان الغساسنة قد اعتنقوا الديانة المسيحية وكانوا من اشد انصارها في بلاد الشام، واقاموا الكنيسة البيزنطية لانها لم تأخذ بتعاليم الكنيسة السورية. فلذلك امراء غسان ناصروا هذه الكنسية وعقدت المجامع الدينية تحت رايتهم، لذلك اهتموا ببناء الكنائس وخير دليل على ذلك (كتدرائية) السويداء والكنيسة الكبيرة التي نذرها الحارث الغساني للقديس (جاورجيوس).
نعم السورية (الصورية) في اللغة النبطية كانت في الستينيات من القرن الماضي بركة مياه، ومع الاسف طمرت في ايامنا، والذي كان يتجاوز عمقها الثلاثين مترا. وكانت تقوم باعلى نقطة بالمدينة قرب قلعة النبطية وكانت مبنية من الحجارة، تصب فيها الاقنية وتخرج منها ولم تكن المياه تأتي للسورية فقط من مياه السيول بل ايضا من النبع الذي هو الآن يعرف بساحة بوز وكتب عنه الرحالة الفرنسي (دي فوكي) .
هناك قطع معروضة في متحف السويداء نقلت اليه من متحف شهبا، وتنسب الى باكورة اعمال شهبا وتعود الى منتصف القرن الثالث وهي تعبر عن بيئة منفتحة لها اتصالات واسعة بمحيطها وخير مثال على ذلك مشاهد فينوس في البحر وارتميس في الحمام، والتي تحافظ على صيغ تقليدية تراثية ترتبط بالمدارس الاقدم، والتي تقدم الانموذج الاكثر اهمية في فهم التحولات التي حصلت في عهد القيصرين كونستين الاول والثاني.
منذ القديم اهتم الناس بإقامة المتحف لحفظ الموروث الفني للعصور السابقة.
ونحن الآن لدينا في السويداء متحف جيد يحوي الكثير من الشواهد الحضارية الفنية لتراث هذه المحافظة فهو يضم مجموعة كبيرة من المنحوتات التي قد لا يكون لها مثيل في أي متحف من متاحف المنطقة من حيث العدد والتنوع بالمواضيع المنقوشة في الحجارة ولوحات الموزاييك وقطع جميلة من الفسيفساء.
هناك منحوتات من العصر النبطي تحكي جوانب من الحياة الاجتماعية، مثلا صورة الكاتب او البذار الى جانب صور مستمدة من الطبيعة مثل النسر الذي يصطاد الافعى او نرى ثلاثة نسور تلتف الافاعي حول جسمها، فإن هذا الشكل قد فقد اهميته في العصر لاننا لا نملك دليلا عليه واذا ما حاولنا ان نعرف المناطق التي ساد فيها هذا الموضوع فاننا نرى ان هذا الشكل قد بناه اهل حوران والمناطق الممتدة الى جنوبها حتى الجزيرة العربية التي حكم فيها الانباط وكان يرمز عند اهل المناطق الى الصراع ضد الظلم.
ويرى السيد (سبريج) ان الافعى على علاقة باشعة الشمس وانها تجسد شروقها.
وايضا كانت صورة النسر تأتي من مواضيع دينية وكعناصر زخرفية تزين واجهات المعابد، فالنسر من الطيور التي احبها الفنانون في بلادنا منذ الالف التاسع قبل الميلاد فهو يعتبر ملك الطيور، ومجموعة النسور المعروضة في متحف السويداء تعود الى العصر النبطي.
السيرة الذاتية:
الدكتور علي بوعساف– مواليد 1931 السويداء خريج جامعة برلين وحاصل على درجة الماجستير عام 1963 والدكتوراه في دراسة الآثار الشرقية القديمة واللغتين العربية والآرمية.
عمل مديرا عاما لمديرية الآثار والمتاحف من 1988– 1993.
نشر ابحاثا كثيرة في الدوريات العربية والاجنبية المتخصصة.
له عدة كتب نذكر منها:
آثار الممالك القديمة في سورية.
نصوص اوغاريت.
الآراميون تاريخا ولغة وفنا.
فنون الممالك القديمة بسورية.