لا يذكر عيد الفطر في "حماه" إلا ويذكر معه شيخها "أحمد الأحدب" الذي كان يولد القمر بين سبابتيه، وما هي إلا أيام وينتهي شهر الصيام الطويل، ليطلب القاضي الشرعي الأول في سورية من الناس التماس هلال شهر شوال.

وينتظر الحمويون كغيرهم من المسلمين هلال شهر "شوال" بفارغ الصبر ليعلن عن بدء أفراحهم بعيد الفطر السعيد. وبالرغم من أن جمعية الفلك السورية أعلنت أن الأول من شهر تشرين الأول /2008/ هو الأول من شهر "شوال" إلا أنه يبقى لطقوس التماس القمر متعته الخاصة في مدينة "حماه"، خاصة وأن المدينة عرفت خلال الخمسين السنة الماضية بأنها كانت أول من أعلن بداية شهر رمضان، وأول من أعلن نهايته.

طاطا يا طاطا، يا صحن السلطة، كبة على رغيف، ألو يا لطيف، صاح المدفع بو، بقلب العدو، شعل ضو وانطفى، صاح المدفع بو..

فقد كان يوجد في مدينة "حماه" شخص اسمه الشيخ "أحمد الأحدب"، كان يعمل في محل لإصلاح الأحذية في منطقة "الدباغة" وما يزال المحل موجوداً حتى الآن ويمارس نفس المهنة، كان يعرف الاتجاه والأوقات التي يظهر فيها هلال شهر "رمضان"، وهلال شهر "شوال" فكان الناس يصومون ويعيدون على رؤيته.

قلعة حماه، أفضل مكان لرؤية الهلال

موقع eHama توجه إلى السيد "هيثم علواني" "أبو ملهم" بتاريخ 24/9/2008 والذي حدثنا قائلاً: «كنت صغيراً، غير أني ما زلت أذكر الشيخ الجليل "أحمد الأحدب"، فكنّا نجتمع أطفالاً وكباراً ونركض إلى باب القلعة منتظرين قدومه، ليأتي برفقة الشيخ العلامة "محمد الحامد" رحمه الله وبعض رجالات الدين في محافظة "حماه"، فكان الشيخ "الأحدب" يعرف الاتجاه الذي سيظهر منه القمر، كان يقف واضعاً سبباتين متعاكستين بالاتجاه، وينظر من خلالهما إلى السماء، ويتولد القمر من خلالهما، ثم ينادي الشيخ "محمد الحامد" ومن يرغب بمشاهدة هلال القمر لينظر من خلال سباتيه».

وعن الفرح والابتهال أضاف السيد "هيثم علواني": «ينزل الناس الذين كانوا على القلعة إلى الشوارع بعد رؤيتهم للقمر الناس فيحتفلون ويطلقون الأهازيج في الشوارع لإعلام الناس بأن الشيخ "الأحدب" ولّد القمر، ليس في مدينة "حماه" فقط فبمجرد خروج الشيخ "الأحدب" والشهود بعد أدائهم اليمين على أنهم شاهدوا هلال العيد، كان الخبر ينتشر فوراً في باقي المحافظات السورية، التي كانت تعتمد رؤية الشيخ "الأحدب" وبعض دول الجوار أيضاً».

السيد هيثم علواني

وفي بعض الأماكن البعيدة عن القلعة، كان الأطفال يقفون على سطوح منازلهم منتظرين ضربات المدفع مرددين أهزوجة العيد التي كانت: «طاطا يا طاطا، يا صحن السلطة، كبة على رغيف، ألو يا لطيف، صاح المدفع بو، بقلب العدو، شعل ضو وانطفى، صاح المدفع بو..». فتبدأ النساء الحمويات بتجهيز الطعام للصباح حيث تجتمع العائلة كلها، أمام سفرة أساسها "الشاكرية والرز".

ويوزع في الشوارع نوع من الحلوى أمام المحال التجارية اسمه "شراب الشيخ شامل".

جانب من أسواق العيد في مدينة حماه

هذه جزء من الطقوس التي عرفناها ويبقى جزء بحاجة لمن يزيل الغبار عنه، ليعاد إحياء هذه المشاهد الجميلة في الحياة فتعود جزءاً لا يتجزأ من أوابد مدينة "حماه"، شأنها شأن النواعير والقناطر والأحياء القديمة، وكل عام وأنتم بخير.