ساهمت بعض العائلات بنشر الثقافة والأدب في محافظة "دير الزور"، وكان لها لبنات بارزة في المشهد الثقافي والتعليمي والديني، ومن هذه العائلات عائلة "آل سليم"، المعروفة بالعلم والتجارة وحسن الخلق منذ القدم، ومن أبرز ما قدمته للمدينة الجامع "السليمي" الذي يضم مدرسة لتعليم القرآن الكريم، والمطبعة والمكتبة "السليمية".
وللتعرف على ماضي هذه العائلة والدور الذي قدمته عبر السنين التقى موقع eDeiralzor السيد "محمد عدنان سليم" أحد أبناء المرحوم "محمد نوري سليم" والذي لا يزال إلى يومنا هذا يتولى شؤون المطبعة "السليمية" حيث حدثنا قائلاَ:
لهذه العائلة بصمات ثقافية واضحة وفضل كبير على محافظة "دير الزور"، فقد ساهم الجامع "السليمية" في تطوير أجيال كاملة ورفع ثقافتهم، وساهمت المكتبة والمطبعة في تأمين العديد من احتياجات طلاب العلم في "دير الزور"، كما نجد أن الأحفاد تابعوا مسيرة الأجداد في دفع العملية الثقافية نحو الأمام في المحافظة
«تعود جذور عائلتي إلى "سليم أفندي" الذي ينتمي لعائلة "بكر الراوي" في "الموصل"، واستقرت العائلة في "دير الزور" في العام 1870، حيث قدم جدي "سليم" إلى هذه المنطقة بعد إعلان لواء "الزور" كمركز إداري، وقد كانت المدينة حينها بأمس الحاجة إلى الموظفين المثقفين والمتعلمين القادرين على النهوض بالأعباء الإدارية، فكان ممن انتقلوا من "الموصل" القريبة لهذا اللواء، فشغل منصب قائم مقام مدينة "الميادين" حتى خروجه من الخدمة، ليستقر بعدها في حي "الشيخ ياسين" بمدينة "دير الزور"، كما كان لجدتي أيضاً دور بارز في نشر العلم في هذه المدينة، أما والدي "محمد نوري سليم" فهو وحيد لوالديه، وقد ربياه على العلم والقرآن، فدرس على يد والديه وتابع دراسته في المدرسة "العثمانية" في "حلب"، ثم انتسب إلى الكلية الحربية "التركية" وتخرج منها ضابطاً، وبعد انسحاب القوات "التركية" من "سورية" في عام 1918، قرر العودة إلى بلده رافضاً كل الميزات التي قدمت له مقابل الذهاب إلى "تركيا"، وبعد عودته إلى "دير الزور" تقرب من كبار شخصياتها، واستفاد من إمكانياته العلمية، حيث كانت يجيد اللغة "التركية" كتابة ومحادثة، وكان له دور بارز في تعريب السجلات الحكومية والقضائية التي كانت جميعها باللغة "التركية".
كما عمل على استغلال علمه في كافة المجالات التي عمل بها، فكان صاحب مشاريع زراعية وتجارية وثقافية ناجحة، ولعل أبرزها الجامع "السليمي" الذي باشر ببنائه في عام 1926 في حي "الحميدية"، على مساحة 2400 ذراعاً من أملاكه الخاصة، له مآذن رائعة ترتفع 18 متراً ويحتوي على أربع غرف إحداها مدرسة لتعليم الأطفال القرآن الكريم، والثانية لتعليم الحديث الشريف وعلومه، أما الثالثة فلطلاب العلم لتلقي العلوم كافة، والرابعة جعلها مستودعاً لخدمة المسجد والمدرسة، فكان هذا الجامع أول جامع في حي "الحميدية".
ثم قام في العام 1944 بجر المياه العذبة إلى ساحة الجامع من مكان بعيد، ليكون بذلك أول من أوصل المياه النقية إلى محلة "الحميدية"، فاستفاد منها كامل الحي، ولم يكتف بذلك بل قام بحفر بئر معطاء للمسجد والحي وهو لا يزال موجوداً إلى يومنا هذا».
ويضيف السيد "محمد عدنان" قائلاً:
«وتعتبر المطبعة "السليمية" المعلم الثقافي الثاني الذي شيده والدي في العام 1958، بعد أن أنهى بناء المسجد، حيث أسس أول مطبع اتوماتيكية ومقطعاً كهربائياً في المحافظة، مجهزة بسائر لوازم الطباعة من آلات ومعدات حديثة، وقد ساهمت هذه المطبعة بإخراج أول مجلة في "دير الزور" إضافة إلى طباعة كتب مختلفة، وتأمين كل احتياجات طلبة المدرسة "السليمية"، ولا تزال هذه المطبعة قائمة إلى يومنا هذا وأقوم بإشراف على إداراتها حالياً».
أما المنارة الثالثة التي أسستها عائلة "آل سليم" في المحافظة، كانت المكتبة "السليمية" والتي حدثنا عنها السيد "عبد الله محمد مهران" حفيد "محمد نوري" قائلاً:
«قام جدي بتأسيس هذه المكتبة بالتزامن مع المطبعة، وحرصاً على أن تكون مكتبة شاملة جامعة تؤمن كافة أدوات العلم، فكان له ما أراد من هذه المكتبة، والتي قام فيما بعد والدي "محمد مهران" بتوسيعها لتشمل جميع المراحل والفئات من طلاب وشركات ومؤسسات، ولم يكتف والدي بذلك بل قام بافتتاح أول معمل لصناعة الدفاتر وتسطير الورق في "دير الزور"، بهدف تأمين حاجات المدينة وما حولها من مادة الدفتر المدرسي.
كما حرصت أنا وإخوتي على متابعة مسيرة العائلة في هذا المجال وقمنا بالمحافظة على المعالم التي ذكرت سابقاً وزدنا عليها افتتاح مكتبة "التفوق" في العام 1996، وصالة "طارق بن زياد" للهدايا والوسائل التعليمية في العام 1999، ثم مكتبة "طارق" في الـ2000، تأسيس مطبعة دار "السليمية" في العام 2001، وهي مطبعة حديثة ومجهزة بالتقنيات الحديثة، وفي العام 2004 افتتحنا مكتبة "مهران"، واستثمرنا مكتبة النهضة في العام 2006 وهي من أهم وأقدم المكتبات في المدينة، ومكتبة جامعة "الجزيرة الخاصة" في العام 2008».
وعن هذه العائلة تحدث للموقع الباحث "مازن شاهين" قائلاً: «لهذه العائلة بصمات ثقافية واضحة وفضل كبير على محافظة "دير الزور"، فقد ساهم الجامع "السليمية" في تطوير أجيال كاملة ورفع ثقافتهم، وساهمت المكتبة والمطبعة في تأمين العديد من احتياجات طلاب العلم في "دير الزور"، كما نجد أن الأحفاد تابعوا مسيرة الأجداد في دفع العملية الثقافية نحو الأمام في المحافظة».
يذكر أن الصورة الرئيسية تضم بحسب الترتيب من اليمين المرحوم "محمد مهران"، ثم والده "محمد نوري سليم"، ثم السيد "محمد عدنان سليم".