التواصل والتكافل بين الناس سواء في الأفراح أو الأتراح، يميز مجتمعاتنا العربية ، وفي جبل العرب تحديداً مازالت بعض العادات القديمة مستمرة رغم غيابها في مجتمعات أخرى.
ونقل الطعام لأهل بيت المتوفى هو أحد أنواع هذه العادات التي ماتزال متبعة كنوع من مشاركة المصاب، ولهذا الطقس شروط وتفاصيل جمعتها مدونة وطن eSyria بتاريخ 13/4/2013 للتعريف بها من خلال اللقاء مع الباحث في قضايا التراث رئيس جمعية "العاديات" في "السويداء" الأستاذ "محمد طربيه" الذي وصّف التقليد وبين غايته وكيف تعارف عليه أهالي جبل العرب، وقال: «المجتمع بحاجة إلى التواصل والتماسك بين أبنائه ويتجلى ذلك في أمور كثيرة ولاسيما في الأفراح والأتراح، حيث يشارك أهل البلد بالأخص الاقارب والجيران والأصدقاء حضور حفلات الزواج والأفراح، إلا أن المشاركة الحميمية تتبدى أكثر في الأتراح والمآتم فحين يُفقد أحد أبناء البلدة سواء أكان قريباً أم بعيداً، جاراً أم بعيداً بموقع السكن فإن أبناء البلدة يهرعون إلى منزل المتوفى، ويقدمون لأهله وذويه عبارات التعزية التي تنم عن مشاطرتهم الحزن عليه ومواساتهم في مصابهم وبين الكلمات التي تقال: "عظم الله أجركم، ما كان بدنا كسر خاطركم، فقيدكم فقيد الجميع، الله يقدر على الصبر، مشيئة المولى نافذة، الأجر سنة والمصاب واحد" وغيرها من العبارات التي تقال في هذه المناسبة، ويقف الأقربون والجوار بعد ذلك في الجهة التي يتقبل فيها أهل الفقيد التعازي للدلالة على عمق المشاركة وصدقها».
لأن العلاقة حميمية بيننا كجيران وأقارب نتشاور حول نوعية الطعام كي لا تتكرر، وكل سيدة تختار ما ستقدمه وفي هذه الأيام الخيارات متعددة، وأنا اليوم اخترت تحضير المنسف التقليدي، وجيران لي حضروا بالأمس نوعاً آخر مثل الأوزة والفريكة، وبإمكان السيدات الاستعانة بالمطابخ المختصة بالمأكولات التراثية أو غيرها من الفطائر، والغاية المشاركة وتأمين الطعام لأسرة الفقيد خاصة عندما تكون الأسرة كبيرة ويتوافد إليها الأقارب من مناطق أخرى وقد يقيمون في منزل المتوفى لعدة أيام
وتابع: «بعد ذلك يأتي الكثيرون ويحجزون دوراً لأهل الفقيد لتقديم طعام العزاء حيث من الواجب والعادات المتداولة عمل ذلك، ونظراً لانشغال أهل الفقيد بمصابهم وعدم قدرتهم على تحضير طعامهم، يقدم الأهل والجيران والأنسباء والأقارب الطعام إما على الغداء أو العشاء كما يقدم الطعام للنساء في منزل الفقيد وهي بالتعبير الدارج "الحمل على بيت المتوفى"، وهنا يشكر أهل الفقيد اولئك الذين قدموا الطعام قائلين: "إنشالله ما حدا بيطعمكم هاللقمة، وإنشالله بتضل دين عليك"، وهي أمنية لطول العمر وعدم دخول الحزن لمنازلهم، وتمنيات أخرى تطلق مثل: "تمدوها" أي أن تمدوا سفرة الطعام بالأفراح، وفي ذلك ما يشير إلى أن الذين قدموا الطعام عندما يحصل عندهم وفاة فعلى أهل الفقيد أن يقوموا بواجبهم بالمقابل، لذا فالاهتمام بهذه العادة ودورها في مساندة أهل المتوفى كان العامل الأهم في استمرارها وتوارثها منذ سكنى أهل الجبل في هذه المنطقة واستمرت لهذه الأيام كجزء من التقاليد والعادات التي لم تندثر».
فكرة المساندة بين الجيران والأهل كانت الغاية الأولى من عادة الحمل على منزل المتوفى وكانت نوعية الطعام المقدم منسجمة مع الحالة الاجتماعية لهذه الأسرة أو تلك حسب إضافة للأستاذ "محمد طربيه" حيث قال: «قديماً لم تكن الحالة الاجتماعية لتمنع الأهل من المشاركة والمساندة، وكان أي نوع من الأطعمة تتمكن الأسرة من تقديمه يفي بالغرض وتشكر مواساتهم ومشاركتهم، فقد تقدم الأكلة التراثية "المجدرة" وهي مؤلفة من العدس والبرغل، وقد يقدم المنسف والذبائح لتكون وليمة فاخرة، والغاية في النهاية هي المساندة، وأي نوع من الأطعمة يكفي للمتواجدين في المنزل ينظر إليها بعين التقدير والاحترام، مع العلم أن تطوراً طفيفاً طرأ على نوع الأطعمة، لكن العادة القديمة بقيت قائمة في كل القرى وفي المدينة».
العم "سليم القاسم" مهتم بالتراث وصاحب إحدى المضافات التراثية أوضح أهمية العادة مبيناً بعض التغيرات التي طرأت عليها تلك التي أثرت على الشكل لكنها لم تغير المضمون، وقال: «لا ينشغل الأهل عن الجيران ومواساتهم ففي حالات الوفاة تجد الجيران منذ اللحظات الأولى للوفاة متواجدين مساندين، يحضرون لإجراءات الدفن مع أهل الفقيد من جهة، ويرتبون الدور لتقديم الطعام، وكل أسرة تقدم في يوم محدد وهذه بعض التغيرات التي طرأت على العادة، ففي القدم كانت عدة أسر تحمل الطعام في وقت واحد بينما اليوم يتعاون الجيران لتقديم الطعام حتى نهاية الأسبوع الأول، وفي الأغلب يدعى الرجال في اليوم الأول وبعد العودة من المدفن لتناول الطعام عند الجار الأقرب الذي يجب عليه تقديم الدعوة لرجال عائلة المتوفى، وتقوم النساء بحمل الطعام للنساء في المنزل، ولاشك أن هذه المناسبة تستهلك الكثير من الوقت لتجد الجيران شبه متفرغين لهذه العادات ليقوموا بما يفرضه عليهم الواجب اتجاه جيرانهم وأهلهم، وفي هذه الأيام نجد عدداً كبيراً من العائلات يتقبلون الدعوة للرجال في اليوم الأول وباقي أيام الأسبوع يتكفل أبناء العم والخال والأنسباء بدعوة الرجال لنهاية الأسبوع لتقوم أسرة المتوفى بدعوتهم في آخر يوم من الأسبوع الأول لشكرهم على المواساة».
أثناء تحضيرها للمنسف الذي سيقدم للجيران بعد وفاة والدتهم العجوز حدثتنا السيدة "سمرة الهادي" عن أصول تقديم الطعام وأنواعه قائلة: «لأن العلاقة حميمية بيننا كجيران وأقارب نتشاور حول نوعية الطعام كي لا تتكرر، وكل سيدة تختار ما ستقدمه وفي هذه الأيام الخيارات متعددة، وأنا اليوم اخترت تحضير المنسف التقليدي، وجيران لي حضروا بالأمس نوعاً آخر مثل الأوزة والفريكة، وبإمكان السيدات الاستعانة بالمطابخ المختصة بالمأكولات التراثية أو غيرها من الفطائر، والغاية المشاركة وتأمين الطعام لأسرة الفقيد خاصة عندما تكون الأسرة كبيرة ويتوافد إليها الأقارب من مناطق أخرى وقد يقيمون في منزل المتوفى لعدة أيام».