تنتشر شجرة الغار في معظم المناطق السورية التي تمتلك الظروف الملائمة لنموها وازدهارها، ولذلك فإن العديد من أشجار الغار الكثيفة غطت مساحات لا بأس بها من منطقة "وادي النضارة"، وشكلت مصدراً للمردود الاقتصادي لأهالي المنطقة.
ويذكر بعض أهالي القرى التي تمتلك الحصة الأكبر من شجر الغار فيها قصصاً وحكايات لعبت فيها شجرة الغار دوراً بطولياً، ويتحدث السيد "وجيه إبراهيم" عندما التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 حزيران 2014، عن إحدى هذه القصص بالقول: «تمتلك قريتنا "عين الغارة" اسماً يدل على أهمية الغار فيها، حيث كانت فيما مضى قرية صغيرة في أسفل الجبل وتستقر مقابلها في أعلى الجبل أشجار الغار، التي كانت إحداها ضخمة جداً وقديمة جداً، حيث جعلها الشبان مقراً لهم لمراقبة القرية في الليل في حال تعرضت لهجوم من اللصوص وقطاع الطرق، ومن ثم بدأت القرية تنتقل لتجاور أشجار الغار في أعلى الجبل وتحتمي بها وبظلها وتستفيد من فوائدها التي لا تحصى».
يصنع صابون الغار يدوياً للاستعمال المنزلي وفي بعض المرات يباع منه الجيد، ويصنع الكثيرون من بقايا الصابون المملوء بالزيت فتائل في إشعال القناديل للإضاءة التي تكون ذات رائحة جميلة، ويوضع في كثير من الأحيان مع خشبه المقطوع في المواقد خلال فترات الأعياد ليضفي الرائحة الجميلة بعد مزجه بخشب وبقايا أكواز الصنوبر، وله قوة اشتعال ممتازة وذات عمر طويل
تتميز أشجار الغار في المنطقة باعتمادها على المياه الطبيعية التي تجري في العيون الكثيرة الممتدة على جميع القرى، إضافة إلى الأمطار الغزيرة التي تهطل في المنطقة، ولذلك فإنها تجعل من موسم أوراق الغار وزيته وفيراً على حد وصف السيدة "نها عيسى"، وتقول: «يستخدم الغار في عدة مجالات حياتية أولها في الطعام فلا يخلو منزل من قطفات كبيرة من أوراق الغار البرية التي تقطفها السيدات والفتيات في فترات الربيع والصيف ويستخدمنها وهي خضراء أو بعد تجفيفها، وهنالك حساء خاص يرتكز على الغار بشكل أساسي ويوصف كدواء للنزلات الصدرية، ويتألف هذا الحساء من صدور الدجاج المتبلة بأوراق الغار مع الريحان وزيت الزيتون حيث تخلط بها بعد تتبيلها بالملح، وسابقاً كانت تحفظ في الجرار الفخارية مدة يومين أو ثلاثة ومن ثم توضع على نار الفحم الخفيفة التي نسميها نحن بالموقدة لمدة تزيد على الأربع أو الخمس ساعات بعد إضافة الماء والأرز إليها، والذي يميز هذا الحساء هو طعم الغار مع الريحان الذي تتناوله السيدات اللواتي وضعن مولوداً جديداً».
إضافة إلى الطعام فقد تفنن القرويون في صنع تقاليد خاصة بهم ومنها ما هو متعلق بالغار، حيث له وجود دائم في مناسبات خاصة وعامة، وعن ذلك تضيف: «يستخدم ورق الغار في تزيين شموع الشعانين التي يحملها الأطفال في طريقهم إلى الكنيسة في أحد الشعانين الذي يسبق الفصح، وذلك كرمزية لانتصار السيد المسيح على الموت، إضافة إلى وضعه مع عشبة البربارة أثناء عيد القديسة "بربارة" لأنه عندما يشتعل يصدر أصوات فرقعة قوية، وهو مرافق للشموع التي تزين حفلات الزفاف في رمزية أيضاً لانتصار الزواج على الخطيئة، أما التقليد الأطرف فهو يتمثل بحمام العروس التي تغتسل بأوراق الغار أو زيته العطري الجميل الرائحة الممزوج مع الورد والماء وذلك لإتمام الزفاف بخير وطول الحياة الزوجية وهنائها، وهذا له تأثير صحي وطبي للجسم؛ فالمتعارف عليه أن زيت الغار يطري الجسم ويزيد من قوة الشعر ولمعانه وكثافته، إضافة إلى تطهيره للجلد بما يبعد عنه القمل والجرب».
أما الاختراع الذي يتصف به أهل المنطقة وبامتياز هو قنديل الغار، حيث يصنع من بقايا صابون الغار، وعن ذلك يضيف السيد "موسى سمعان"، بالقول: «يصنع صابون الغار يدوياً للاستعمال المنزلي وفي بعض المرات يباع منه الجيد، ويصنع الكثيرون من بقايا الصابون المملوء بالزيت فتائل في إشعال القناديل للإضاءة التي تكون ذات رائحة جميلة، ويوضع في كثير من الأحيان مع خشبه المقطوع في المواقد خلال فترات الأعياد ليضفي الرائحة الجميلة بعد مزجه بخشب وبقايا أكواز الصنوبر، وله قوة اشتعال ممتازة وذات عمر طويل».