لمْ يكن يَخطرْ في بالِ "ابتسام ديب" أثناءَ جلوسِها في إحدى حدائق "حمص"، أن تكونَ إبر الصنوبرِ المتساقطة شرارةَ انطلاقتها بهوايةٍ وموهبةٍ تثيرُ الإعجاب.
فما إن بدأت "ابتسام" بنسج أشكال مختلفة من كل الأشياء التي تقع تحت عينيها، من أسلاك النحاس وقشور العرانيس والخيطان وغيرها، حتى أتقنت العمل وتوسع طموحها، وباتت تشارك في مختلف المعارض الفنية.
فهي متنوعة تشمل سلالاً، صواني، صمديات، هدايا، وتراثيات وكل ما يمكن تحويله من شيء مهمل إلى عمل فني
في معرضها
حوّلت "ابتسام" منزلها في حي "الأرمن بمدينة حمص" إلى معرض خاص بأعمالها، يحتوي على كل ما صنعته يديها من ديكورات وأعمال فنية.
وبينما تستعرض مختلف الأعمال الفنية، تمسك الشابة بيديها سلالاً بيضاء، وهي تتحدث للمدونة بالقول: «تفاجأ كل من زارني عندما أخبرته بأن المكون الأساسي للسلة هي قشور عرانيس الذرة التي نسجتها بطريقة فنية خاصة حتى حولتها إلى هذا الشكل».
وعن سؤال حول صعوبة خياطة إبر الصنوبر، تشرح ابتسام عن بدايات شغفها بهذا المجال، قائلة: «لأن مهنتي هي الخياطة، فقد ساعدني ذلك وازدادت خبرتي مع الوقت، وامتلكت مهارة حياكة إبر الصنوبر الناعمة بطريقة خاصة أيضاً».
مجسمات متنوعة
تعدد "ابتسام" أنواع المجسمات التي تصنعها وكيفية تصنيفها: «فهي متنوعة تشمل سلالاً، صواني، صمديات، هدايا، وتراثيات وكل ما يمكن تحويله من شيء مهمل إلى عمل فني».
وعن إعادة تدوير الأشياء، تقول: «أحب تحويل الأشياء المهملة إلى أعمال فنية، فمن علبة مرتديلا أصنع شجرة، ومن الكرتون أصنع ناعورة، حيث أستطيع بقليل من الجهد ملء المنزل بأعمال فنية ومنحه طابعاً جذاباً بأبسط الإمكانيات».
وتشير "ابتسام" إلى أهمية التراث "الحمصي"، وإيلائه نصيباً كبيراً من اهتمامها، مضيفة: «تراث هذه المدينة أصبح منسياً تقريباً، وهذا الأمر مؤسف بكل تأكيد، ولذلك قررت تصميم بعض الأشكال التراثية».
وعن بعض الأشكال التي صممتها بعد إعادة تدوير الأشياء، تضيف: «بذلت جهدي بتصميم "ناعورة حمص" التي كانت موجودة في سوق الناعورة، وهي مختلفة عن "نواعير حماه"، وهو الأمر الذي يجهله الكثيرون حتى من أبناء المحافظة، ولأجل هذا الأمر أقوم بوضع لوحات تعريفية عنها في المعارض التي أشارك بها».
وتابعت بالقول: «قمت بتصميم لوحة مكونة من مزيج عجينة الرمل والسيراميك والكرتون لباب "سوق القيصرية"، وهو موجود في السوق المقبي في حمص القديمة».
نصيحة مجرب
شاركت "ديب" بالعديد من المعارض داخل "حمص" وخارجها، مدينة وريفاً، بهدف التعريف بأعمالها والتذكير بالتراث والتنويه بأهمية إعادة تدوير الأشياء التالفة والاستفادة منها، حسب قولها.
وفي هذا السياق، توجه رسالة بضرورة دعم الفنانين وكل من يعمل بالأشغال اليدوية وإحياء التراث دون تركهم يعانون من دون مساعدة.
كما تقدم نصيحتها الخاصة لكل من يمتلك موهبة في أي مجال، قائلة: «كل موهبة يجب متابعتها وتنميتها حتى تصل إلى قمة العطاء، والمتابعة بها حتى ولو فشل الإنسان مرة واثنتين وثلاثاً».
آراء فنية
بدورهم أعرب عدد من رواد المشاركين في المعارض الفنية بالمحافظة، عن إعجابهم بالأعمال التي قامت "ابتسام" بتصميمها، وخصوصاً تلك المصنوعة بعد إعادة تدوير الأشياء المهملة، وتحويلها إلى مجسمات وأشكال جميلة.
حيث يشير الفنان التشكيلي "رامي درويش" لـ"مدونة وطن" إلى أن ما تقوم به خلّاق كونه يجمع بين عدة أمور، أولها استغلال الوقت بصقل موهبة فطرية، وثانيها تركيزها على استغلال القطع المهملة التي نرميها يومياً وتحويلها لقطع فنية، وآخرها التذكير بأهمية التراث في أعمالها.
ويضيف "درويش": «أدعو الجهات المعنية في وزارة الثقافة للاهتمام بالفنانين والفنانات وكل من يحمل رسالة هادفة من خلال أعماله على اختلافها، وألا يكونوا منسيين من دون أي رعاية».
وتشدد "ليلى رستم" وهي مهتمة بالفن وإحدى رواد المعارض، على ضرورة تعميم ونشر ثقافة إعادة التدوير، فالبيئة المحيطة بنا مليئة بالمستلزمات الأساسية لتصميم الأشكال الفنية، والاستفادة منها لتكوين مساحة جمالية طبيعية وبسيطة التكاليف.
وتقول: «أعمال الفنانة "ابتسام" ملفتة للنظر إضافة لحرفيتها واستثمارها لكل موجودات البيئة القريبة لإبداع مجسمات ولوحات جميلة».