إلى الشمال من مدينة "سلمية" وعلى بعد 28 كيلومتراً تقع قرية "البردونة"، والتي سكنها الإنسان في العصر الحديث منذ أقل من مئة عام، فيما تُعيد الأبحاث والتنقيبات الأثرية التي جرت عمر القرية إلى أزمنة قديمة.
برودة المكان
عن الموقع والتاريخ القديم وسبب التسمية يتحدث الباحث الدكتور "محمد الدبيات" لمدونة وطن، عن "البردونة" قائلاً: "سميت القرية بهذا الاسم "البردونة"، نظراً لوجودها على مرتفع حيث البرودة الشديدة والهواء النقي الذي تتميز به عن المناطق المجاورة، وتمت دراسة وضع القرية ضمن عملية المسح التي قمت بها أثناء عملي في مؤسسة الأغا خان للتنمية الريفية والعناية بالثروة الحيوانية والأرض الزراعية الخصبة". ويشير "الدبيات" إلى أن القرية تأسست حديثاً عام 1860 للميلاد حيث لم يستقر الأهالي بها بل كانوا في تنقل دائم، وتبلغ مساحتها 1350 هكتاراً ومعظم أراضيها صالحة للزراعة وخاصة الشعير والقمح والعدس والحمص والكمون، وهناك بعض الأشجار المثمرة بمساحة /100/ هكتار زيتون فقط، دخلتها الكهرباء 1981، فيما يعتمد سكانها في الشرب على بئر حفرته مديرية المياه في "حماة"، ويعمل عدد منهم بالرعي وتربية الأغنام، ويسوقون إنتاجهم من الخضر والحليب ومشتقاته إلى "حماة". ويضيف: "لاحظت وجود آثار بيزنطية في القرية منتشرة هنا وهناك، وبالتالي الكنيسة الموجودة فيها هي جزء من سلسلة الكنائس البيزنطية المنتشرة بكثرة في المنطقة، وهي أقرب إلى "حماة" من "سلمية"، وبالتالي يجب أن تكون تبعيتها الدينية عائدة حينها لأبرشية "حماة" التابعة بدورها لأبرشية "أنطاكية".
"البردونة" حديثاً
بدوره "رائد محمد"، 1970، رئيس بلدية "البردونة" يقول: "تقع "البردونة" في الريف الشمالي لمدينة "سلمية" وتتبع لها إدارياً، وتعد المنطقة الثالثة من منطقة "العلا"، وتقع على مفترق طريقين رئيسين، وهما طريق عام ناحية "الحمرا" /"حماة" وتبعد 25 كيلو متراً، وطريق "سلمية"/ "البردونة" وتبعد 28 كيلو متراً، وتعد أقدم القرى في الريف الشمالي لـ"سلمية" فآثارها من مغاور وكهوف وبيوت قديمة من حجارة بازلتية تدل على سكن الناس القديم لها، وبقي من الآثار قصرها المبنى من الحجارة البازلتية، وبناه "آل فليفل" وقد تهدم الجزء العلوي منه". بدأ التعليم في القرية منذ عام 1973 ببيوت مستأجرة لحلقتين ابتدائية، وإعدادية، والبناء الرسمي الحديث عام 1984، ويلقى التعليم، كما يشير "محمد" الاهتمام من أبنائها وهم يكملون تعليمهم في المعاهد والجامعات، والقرية مخدمة بالكهرباء وبلدية حديثة أما الخدمات فهي شبه معدومة، فهي تحتاج لصرف صحي، واستجرار مياه للشرب.
في الذاكرة
مختار القرية "رضوان الإسماعيل" 1940 يتحدث عن ذكريات أيام زمان ويقول: "نحن من أوائل العائلات التي سكنت القرية، وأذكر عندما حللنا فيها كنت لا أتجاوز السابعة من عمري، حيث سكنّا في المغاور والكهوف المنتشرة فيها، وبعد ذلك بنى الناس بيوتاً من القباب المصنوعة من الحجر البازلتي المتوفر في الآثار المتهدمة والطين، وقتها كان الناس يعملون تحت إمرة الإقطاع في فترة طفولتي". َمن جهته يضيء الباحث التاريخي "أمين قداحة" على نقاط مهمة من تاريخ القرية ويقول: "بالنظر لموقع مدينة "سلمية" على مصور "سورية"، ندرك الأهمية التجارية للمدينة التي شكلت عبر تاريخها الطويل عقدة مواصلات وتجارة بين البادية والحاضرة شرقاً وغرباً وبين الشمال والجنوب، لذلك كانت "سلمية" بريفها عامرة بالكنائس، وتعد "البردونة" من المواقع الأثرية المهمة فيها والتي تقع شمال مدينة "سلميه"، وإلى الشمال من قرية "الشيخ علي كاسون" والتي تحتوي على كنيسة كبيرة نسبياً نقش على ساكفها كتابات يونانية مسيحية من العصر البيزنطي تعريبها (إيفاءً لنذر ولأجل سلامة "قوزما و"روما" وأولادهما..)، وهكذا نجد أن ريف "سلمية" صورة عن الغنى الثقافي والآثاري لهذه المنطقة من خربة "سلمية".