لم تكن تتكلم بل تشعرك أنها مازالت منك تتعلم وترخي على البعد القريب هناك ظلالها، تنام بعيدة عن أحضان سكانها بل حتى تدوم لتقرأ أفكار ناسها.
حي مكون من أحجار مرتبة في خاصرة اللاذقية ونائمة فوق معالم تاريخها، وتكاد تضيع بين أزقة تداخلاتها ولا تستطيع إلا الإصغاء إلى أصوات الباعة وألحان الصدى التي يرسمها ويل الانتظار خلف معالم تلك الأحجار وخفاياها.
حي الصليبة الشعبي خاصرة اللاذقية ومحور التاريخ الذي شد الملايين من الباحثين كثيراً في خبايا تراثه وقدمه إلى رسم ماهية تكوينه ورؤيا صراحة بنائه الذي رسم ألوانه فوق جباه الناس الذي يصل تعدادهم إلى 15 ألف نسمة تقريباً ولايزال العدد محط الاختلاف والتخمين لأننا نطالع تراث بناسه وأفكارهم وتقاليدهم...
هذا الحي القديم والذي يعتبر من أقدم الأحياء الموجودة في المحافظة على الإطلاق لتنوع آثاره وتباينها ومن خلال بعض المكتشفات التي ظهرت مؤخراً في الحي.
في جوانب أزقته المخفية خلف الشمس وعلى عتبات الظلال التي رمتها الجدران العالية تريك عينيك أناقة الترتيب التي لا توصف،وعلى الرغم من صغر هذا الحي إلا أنه يحوي على أكثر من عشرة مساجد تباينت في مساحاتها وطريقة بنائها مما أدى إلى بقائها إلى اليوم صامدة لا تهاب مرارة رياح العمر.
وفي عمق هذا الحي انتشرت المقاهي القديمة لتغطي كامل الحي ولتستمر مع الزمان رغم تناوب الجلساء فيها إلا أنها مازالت باقية بجدرانها ومعداتها، ولازمت المقاهي وإلى القريب القريب منها انتشرت المطاعم الشعبية التي مازالت تحافظ على مذاق أطعمتها إلى الآن ومطعم أبو سويس خير شاهد على البقاء المشهود، وإذا ما اخترقت الحي لترى في صدر حديقته القديمة الدير الصغير الذي بقي منه ما يسمى الآن بالكنيسة المعلقة والذي اشتقت اللاذقية شعارها منه لتكون مميزة فيما اختارت.
وفي حديث لـelatakia أكد الأستاذ جمال حيدر مدير آثار اللاذقية على أولوية هذا الحي بالتفرد في القدم الواضح في عناصر وجوده من خلال الأزقة القديمة والقباب التي تعلو المساجد القديمة في الحي، وأشار الأستاذ حيدر إلى أن عمليات التنقيب الأخيرة أظهرت تقدماً ملحوظ من خلال النتائج التي أظهرتها المكتشفات الأخيرة في الحي.
ومما يميز هذا الحي القديم الصامد رغم الزمان الغابر هو تقاليد أهله في الاحتفالات والأعياد والمناسبات الدينية، حيث لا تستطيع أن تصف ما يحصل في شوارعه في أيام الأعياد ولياليها من انتشار الخيام وألعاب الصغار وباعة الحلوى التي ما هاجرت أبداً ألسنة الكبار وغيرها من العادات التي تمنحك ولو لحظة قبول دعوة ما للغوص في جمال وروعة تلك التقاليد تلك العادات.
وإذا ما مررت في أسواق الحي المتطرفة البعد فيما بينها لكنت رأيت ترتيباً ما في بنيان السوق من حيث المواد المقدمة والموجودة على طاولات الباعة ابتداءً من اللحوم والأسماك والخضار والفواكه ووصولاً إلى سوق الحرفيين وأصحاب المهن اليدوية، ولايغريك إذا ما سمعت عن هذا الحي إلا أن تذكر تلك اللهجة المميزة لسكانه ولمس هذا التميز الواضح في أدائها على ألسن أغلب سكان الحي وهي اللهجة التي تفرّد بها سكان الحي منذ القدم ومازالوا إلى الآن يتداولوها في حياتهم العادية.
وما يدور في ذهن القارئ الآن ما هو إلا صدفة ستجمعه الذكرى في لقياها بمن أحب في هذا الحي سواء الخبز المفتوح أو المطعم الأشهر في الساحل السوري وهو مطعم أبو سويس ومنظر الكنيسة المعلقة بين أحلام أهل الحي وغيره من المغريات التي تجدها بين قوسي حي عتيق.