المهر منذ أقدم الأزمنة هو مبلغ محدد من المال يتم الاتفاق على مقداره في سهرة عائلية خاصّة بين أهل العروسين، وبموجب الاتفاق الذي تم يقدم أهل العريس ذلك المبلغ إلى أهل العروس، وقد تطور المهر زمنياً حيث تم تحريره في العديد من المناطق من مفهومه الذي كان شائعاً وهو أنه /سعر البنت أو الصبية/ وذلك نتيجة التطور الاجتماعي والمعرفي في بلدنا.

وللتعرّف على صورة المهر قبل قرن من الزمان في منطقة "عفرين" التقى مراسل موقع eSyria بالمعمّرة "فاطمة يوسف" /"أم فؤاد"/ 76 عاماً والتي قالت: «في أيامنا وبعد موافقة الطرفين على الخطبة كان يتم إعلان ذلك في مناسبة اجتماعية عائلية خاصّة بعد دعوة الأقارب والأصدقاء إليها وكانت المناسبة عبارة عن حفلة صغيرة يقوم فيها أهل الخطيب بتلبيس عروستهم قطعاً ذهبية أو فضية بحسب الحال وتناول الحلويات والفواكه ولكن قبل التلبيس وتناول الحلو في تلك السهرة كان من الواجب الاتفاق على مهر العروس.

كان ذلك متعلقاً بالوضع الاجتماعي والمادي لأهل العريس، وكان من الواجب على أهل العريس تقديم أشياء عينية مثل الفرش والمخدات والسجاد وغيرها

لقد كان أهل العريس يدعون إلى تلك السهرة مجموعة من كبار القرية وشيخ الجامع والأغا باعتبارهم يشكلون وجوه القرية البارزين وبعد الوصول إلى بيت أهل العروس يتم مفاتحتهم بنيتهم التقرب منهم من خلال طلب يد ابنتهم فإذا أبدوا موافقتهم على طلبهم يتم الانتقال إلى موضوع الاتفاق على المهر الذي كان يتم بشكل غريب وعجيب ويستمر لعدة ساعات بين أخذ ورد فإذا حدد والد العروس مبلغاً كبيراً يتدخل الحاضرون حينها فهذا يقول /بدنا تخفّض المبلغ شوي مشان خاطر الجالسين/ وذاك يقول / ومشان خاطري شو بدك تنقّص/ وهكذا لتتحوّل السهرة إلى بازار لتحديد سعر الفتاة وليتم في النهاية الاتفاق على مبلغ محدد من المال هو المهر».

السيدة فاطمة يوسف

وعن رأي الفتاة بموضوع الخطبة والزواج في تلك الأيام قالت "أم فؤاد": «كان أهل الفتاة يوافقون على زواجها أو يرفضون ذلك دون سؤالها أو أخذ رأيها بهذا الموضوع، فإذا كان العريس من نفس القرية فالفتاة كانت تعرفه معرفة عادية أما إذا كان من قرية أخرى فلم تكن تراه على الأغلب حتى تتزوج».

وحول نوع العملة التي كانت يتحدد بها المهر قالت: «في بداية القرن الماضي كان المهر يتحدد بالليرات العثمانية الذهبية مثل "المجيدي" و"الحميدي" و"الرشادي" أو بواسطة "كيسه" وهي عملة عثمانية كانت تساوي 20 "مجيدي" عثماني و"المجيدي" كان يساوي 500 قرش فضي، ثم صار المهر يتحدد بحسب العملة الدارجة في البلد حتى وصلنا إلى الليرة السورية».

السيد مصطفى إبراهيم

وتابعت متحدثة حول مقدار مهر الفتاة في تلك الأيام: «كان ذلك متعلقاً بالوضع الاجتماعي والمادي لأهل العريس، وكان من الواجب على أهل العريس تقديم أشياء عينية مثل الفرش والمخدات والسجاد وغيرها».

وأخيراً وحول الفرق بين طقوس تحديد مهر فتاة من أيامها وفتاة من العصر الحالي قالت: «في منطقة "عفرين" تغيّرت بعض المفاهيم المتعلقة بالمهر وهذا مهم جداً رغم بقاء بعض العادات والتقاليد الشكلية والخاصّة بالمناسبة، ولكن المهم أنّ نظرة المجتمع تجاه مهر الفتاة باعتباره /سعرها/ قد زالت ولم يعد هناك بازارات تُعقد للاتفاق على مهرها، والنقطة المهمة الثانية هو أنّ الأهالي لا يزوّجون بناتهم إلا بعد أخذ رأيهن بالموضوع ويعود ذلك إلى سيادة التعليم وانتشار المدارس في كل بقعة من المنطقة وذلك أثر إيجاباً على التطور الاجتماعي فتغيّرت الكثير من مفاهيم المجتمع».

الدكتور حسين أمين

أما "مصطفى إبراهيم" 56 سنة فقد قال حول الموضوع: «لقد عشت في مرحلتين: القديمة بتقاليدها الاجتماعية المتوارثة والمرحلة المعاصرة، وإذا أردت أن أجري مقارنة بين المرحلتين فيما يتعلق بموضوع المهر فحالياً أفضل بكثير من عدة نواحي أهمها أنّ سهرة تحديد المهر أصبحت سهرة روتينية يتم فيها تناول الحلويات وتبادل الأحاديث الاجتماعية الشيقة أما موضوع تحديد المهر فلا يتجاوز الخمس دقائق، فقد زوجّت ثلاثة من بناتي دون تحديد مهرهن فقد كان ردي دائماً بمجرد مفاتحتي بطلب يدهن هو /البنت بنتكم واشتروا لها بحسب طاقتكم/ والحمد لله فهن يعشن حياة سعيدة مع أزواجهن».

وحول شكوى الشباب الحالي من غلاء المهر قال: «نعم هذا صحيح والشكوى من حقهم ففي بعض المناطق في "ريف حلب" ما زالت التقاليد السابقة حول المهر دارجة وبأسعار خيالية تصل في بعض المناطق إلى 500 ألف ليرة سورية، وهذا برأيي ظلم كبير وخاصّة إذا كان الشاب والبنت يحب أحدهما الآخر وكان أهل الشاب من أسرة فقيرة فهذا الوضع سيؤدي بطبيعة الحال إلى ظهور الأمراض الاجتماعية وفي مقدمتها العنوسة».

وحول تأثيرات غلاء المهور في منطقة "عين العرب" يقول الدكتور "حسين أمين" في كتابه /"عين العرب" في مئة عام/- الأقصى للدراسات والنشر- "دمشق" 2007: «غلاء المهور من العثرات الكبيرة في طريق الزواج وهذا يدفع الكثير من شباب المنطقة الزواج من بنات مناطق أخرى ورغم قلتها إلا أن الغلاء ما زال موجوداً في المنطقة ويؤدي ذلك إلى ظهور العنوسة وبالتالي زواجهن من ما هو في عمر الخمسين أو الستين، فنتيجة غلاء المهور لن يتقدم للزواج شاب ذو دخل محدود أو عامل أو موظف براتب بسيط».

وعن الحل برأيه يقول: «عتبي على المثقفين في المنطقة الذين يجب عليهم محاربة هذا المرض وألا يبقوا ساكنين حياله وأن يشعلوا شمعة تنير الظلام الدامس في تلك النفوس التي ما زالت تعاني من هذا المرض الاجتماعي وأن ينفقوا قليلاً من وقتهم كل يوم لأهلهم وأقربائهم الأميين فهم كالمرض يحتاجون للرعاية».

وأخيراً سألنا بعض الشبان والشابات من الجيل الحالي حول موضوع غلاء المهور في بعض المناطق فأجاب أولاً "فرهاد محمود إيبو" 28 سنة: «غلاء المهور مرض اجتماعي يعرقل عملية الزواج الطبيعي وبالتالي زيادة نسبة العانسين والعانسات في المجتمع والسبب في ذلك طبعاً يعود إلى التقاليد الاجتماعية المتوارثة والتي ما زالت تعشعش في نفوس الكثيرين والحل برأيي يكون في التطور الاجتماعي عبر انتشار التعليم والتوعية».

"أمينة حمو" 24 سنة قالت: «من الطبيعي علينا محاربة موضوع غلاء المهور ولكن هناك نقطة يجب توضيحها وهي أنّ المهر الذي هو سعر الفتاة مرفوض تماماً أما بالنسبة للغلاء فيجب مراعاة احتياجات المنازل المعاصرة فهي تختلف عن البيوت القديمة فقديماً كان تأثيث بيت لا يحتاج سوى لصندوق خشبي ومرآة للعروس وبعض الأقمشة والألبسة والسجاد، أما اليوم فقد كثرت الأغراض البيتية المطلوبة مثل البراد والتلفاز والغسالة والدش والميكروايف والخلاط والعصارة والغاز وغيرها الكثير ولذلك فمن الطبيعي أن يكون المهر غالياً، والايجابي حالياً أنّ أهل العروس يشاركون بالمهر المقبوض في شراء أغراض ابنتهم ومساعدة العروسين في فتح بيت جديد بينما قديماً كان والد العروس يقبض المهر نقداً ويأخذه لنفسه مع تقديم بعض الأغراض البسيطة مثل الفرش والمخدات وغيرها».