"أرفاد"، "أراد" و"أرادوس" كلمات فينيقية تحولت اليوم جميعها إلى "أرواد" وتعني الملاذ، الملجأ أو المأوى، فكانت الجزيرة الوحيدة المأهولة منذ أيام الفينيقيين ومن أهم مدنهم التي يصلونها بواسطة السفن.
فقصة صناعة السفن والزوارق السياحية بدأت في "أرواد" منذ بدء الحضارة فيها، وهي أول مركز لبناء السفن الشراعية على "البحر المتوسط"، الجزيرة لم يخبرنا الكثير عن صناعاتها المرادفة للصناعات الرئيسية ومنها الصناعات السياحية والتي تلقى هذه الايام رواجاً ملحوظاً كصناعة السفن الصغيرة التي تعتبر تحفاً فنية تنفرد قلة قليلة بإتقانها.
سبب هذا اللون البني الذي أستخدمه كي يعطي انطباع السفينة الحقيقة القديم فجميع السفن في تلك الأزمان كانت تدهن بزيت "الهرجيني" والشحوم الحيوانية والإسفلت للمحافظة على أخشابها وهو ما يعطيها هذا اللون
والربان "ابراهيم بهلوان" أحدهم خصنا بلقاء بتاريخ 11/6/2009 روى لنا فيه قصته مع التحف الفنية وتمحور حديثه عن "السفينة الفينيقية" التي صنعها في الآونة الأخيرة، وبالرغم من كل الكلمات والوصف كان المشهد وحده قادراً على التعبير عن الدقة والتفرد في صناعة هذه النماذج.
مثله مثل أي أروادي تعلم العمل في البحر باكراً، وعن ذلك يبدأ بالقول: «سافرت مع أهلي للعمل على ظهر سفن تجارية سورية لبنانية وبقيت حوالي سبع سنوات، وبعدها ترفعت إلى مراتب أخرى بحسب جهدي ونشاطي فمن بحار إلى رئيس بحارة ثم إلى ضابط أول (ربان ثان)، وفيما بعد ترفعت إلى ربان وانطلقت إلى "السعودية" و"تركيا" كربان أول».
وتابع عن تطور العمل والكفاءة كنتيجة طبيعية للملاحة الأروادية فقال: «سافرت إلى "جورجيا" منذ حوالي خمس سنوات تم تعديل وضعنا العملي ومنحونا شهادات خبرة بناء على فحص قدراتنا فاستحقينا ذلك.
ونتمنى من السلطات وضع قوانين جديدة مشجعة لأصحاب السفن السورية لرفع الأعلام السورية، بما في ذلك من فائدة اقتصادية عامة للبلد بدفع الضرائب هنا بدلاً من دفعها لدول أخرى، فقد كان عدد البواخر التي ترفع العلم السوري في الثمانينيات تفوق 60 باخرة أما اليوم وللأسف فتعد على أصابع اليد الواحدة».
الصناعة التي تحولت لديه من مهنة إلى فن وهواية وكل ذلك بفضل الموهبة قال عنها: «صناعة السفن هي مهنة عائلتي منذ القدم والذين يمتلكون مواهب في الرسم والشعر والنحت، وأذكر أني أثناء الدراسة بعمر الحادية عشرة صنعت أول باخرة مصغرة، وكانت بطول حوالي متر، حيث كانت إنجازاً مميزاً بالنسبة لي وما تزال في بيت جدتي كتذكار لها».
الموهبة والشغف بهذه الحرفة، عاملان أساسيان ساعداه على تطور مهاراته وتميز منتجاته، وكما أوضح: «بما أن العمل متعلق بالبحر فقد تعلقت به وصنعت عدة نماذج لسفن تجارية حديثة وتقدمت مهاراتي تدريجياً، إلا أن نموذج السفن التجارية لا أصنعها إلا بتوصية لما تحتاج من جهد ووقت، وأذكر أني صنعت نموذجين أحدهما لمالك سفن يوناني والآخر أروادي مقيم في "اليونان" وصنعت نماذج لملاكي سفن أرواديين».
عمل فني نادر وربما منقطع النظير، عرفنا عند مشاهدته أننا من المحظوظين بهذه الزيارة إلى الجزيرة، وعنه شرح: «هذه "السفينة الفينيقية" صنعتها منذ حوالي ثلاثة أشهر واستغرقت قرابة شهرين، وكانت فكرة تصميمها تراودني منذ الصغر، إنها "الفينيقية" و لها مواصفات خاصة مثل المقدمة التي تكون ذات شكل دائري كصدر الدجاجة، وهذا الشكل ليس فقط للمنظر بل لغاية وهي أن تطفو السفينة من المقدمة أكثر من الخلف، وعندما تشتبك في معركة مع سفينة معادية يذهب البحارة إلى الخلف مما يزيد ارتفاع المقدمة وهذا يؤدي إلى ثقب السفينة المعادية عندما تصطدم بها.
وهناك غاية أخرى وهي أن تطفو على سطح الأمواج الهائجة كي تعلو معها وتنزل بسلام، أما "الإغريقية" فتشبهها إلى حد كبير لما يربطهم ببعض كحضارات».
مواصفات فريدة تميزت بها هذه السفن، وأصبحت سفن اليوم بغنى عنها، ربما لتعدد وسائل النقل وتطورها، وعن هذه الميزات والنماذج المختلفة شرح: «لما كان الفينيقيون يعيشون في رخاء كانت مراسي السفن الفينيقية مصقولة من الفضة، كما تمتاز السفن الفينيقية بنماذج أهمها: التجارية الصغيرة ولها ساري واحد وشراع يسمى "قرية"، والنموذج الآخر هو حربي وتكون أكبر حجماً وتمتاز بسارية أو ساريتين وترافقها بعض السفن الصغيرة، والنموذج الثالث كان يبنى بشكل انسيابي رفيع وطويل وبعدة مجاديف دون شراع وأغلبها حربية».
أما اللون البني السائد في نماذج هذه التحف قال عنها: «سبب هذا اللون البني الذي أستخدمه كي يعطي انطباع السفينة الحقيقة القديم فجميع السفن في تلك الأزمان كانت تدهن بزيت "الهرجيني" والشحوم الحيوانية والإسفلت للمحافظة على أخشابها وهو ما يعطيها هذا اللون».
أما عن نوع الاخشاب المستخدمة فقال:«كانت تصنع السفن الفينيقية من خشب الشام (الصنوبر) والسفن ذات البذخ من خشب الأرز اللبناني الذي يمتاز بأخشابه ذات الجودة العالية، وبعضها كان يستخدم السنديان لبعض الأماكن في جسم السفينة، أما هذه النماذج المصغرة فأصنعها من خشب "السوّيد" و"الميغانو" الأحمر ويرادفه محلياً "الكينا"».