من مواليد مدينة "دمشق" عام 1921، أبوه كان بقالاً يرجو أن يرث ابنه دكانه الصغيرة، لكن الابن خذل الأب حين عشق القراءة والأدب منذ نعومة أظفاره.
الدكتور "شاكر مصطفى" مؤرخ وأديب أصدر حوالي خمسين كتاباً من الأدب والتاريخ والدراسات التاريخية والقصصية، إضافة إلى مئات المقالات التي نشرها في الصحف والمجلات العربية، وفي مقدمتها مجلتا "علم الفكر" و"العربي".
في السنة الثانية بجامعة "دمشق"، فوجئت حين عرفت أن الدكتور "شاكر مصطفى" مؤرخ بامتياز، حين قرر علينا دراسة كتابه "دولة بني عباس" في شهادة "تاريخ العرب والإسلام"
ويذكر الكاتب والناقد الأدبي "عيسى فتوح" في كتابه "أدباء من الذاكرة" أن الدكتور "شاكر مصطفى" كان يكتب بدم القلب لا بالحبر من خلال المقالات التي كان يكتبها لمجلة "النقاد" وكتب "فتوح" بذلك: «كنت أنتظر صدور العدد الجديد أسبوعياً من مجلة "النقاد" لأقرأ مقالات الأديب "شاكر مصطفى"، ولا تزال صورته الكاريكاتورية التي كانت تنشر في مقالاته منطبعة في ذهني حتى اليوم، رأس ضخم، وقلم أضخم، على جسد صغير».
وأضاف "فتوح" في نفس كتابه: «في السنة الثانية بجامعة "دمشق"، فوجئت حين عرفت أن الدكتور "شاكر مصطفى" مؤرخ بامتياز، حين قرر علينا دراسة كتابه "دولة بني عباس" في شهادة "تاريخ العرب والإسلام"».
والمعروف عن الدكتور "مصطفى" كيفية سرده لوقائعه بطريقة فنية جذابة، وبأسلوب سلس، يسكبها بقالب قصة مشوقة، كما يعتبر من مؤرخي القصة السورية، وله كتاب ضخم في ذلك وهو "القصة في سورية" الذي صدر عن معهد الدراسات العربية العالية في القاهرة عام 1955، ولا يزال هذا الكتاب حتى اليوم من أفضل مراجع تاريخ القصة السورية، وأبرز أعلامها منذ منتصف القرن التاسع عشر.
كان "مصطفى" أول كاهن بشّر بنثر فني لم يعرفه تراب بلاده منذ سنين، كما يقول الشاعر "نزار قباني" في مقدمة كتاب "بيني وبينك".
ومن اطلع على سيرة حياته يدرك كم تعب على تثقيف نفسه، وكم عانى من متاعب، وواجه من صعوبات حتى استطاع أن يصبح أديباً ومؤرخاً يشار إليه، لأن أبوه كان يضربه إذا فاجأه يقرأ كتاباً أو مجلة، لأنه يعتبر ذلك إضاعة للوقت، ولكنه بقي يقرأ في السر كل ما يقع تحت يديه في نهم الميت من الجوع.
الكتابة بالنسبة "لشاكر مصطفى" حاجة إنسانية صحيحة، تعطي الإنسان كل معنى قضيته، وقضيته هي بروز "أناه" بكل ما قد يكون فيها من لون، ونشوة، وسقم، ومرارة، بل وتناقض أيضاً، وإذا كان قلماً يرضى عما يكتب، فإنه يحاول ما استطاع أن يبقى مخلصاً مع نفسه، وكثيراً ما يتضايق من الكلمة، لأنها تعجز غرف وامتصاص كل ما يضج في أعماقه.
ويقول الأديب "شاكر" في مقاله "لمن تكتب": «إنني أكتب لأنقل غير الواضح في نفسي إلى الوضوح والنور، لأزيل الغموض والضباب في أعماقي، إن الزهرة لا تتحدد أوصافها إلا بعد أن تتفتح، أكتب وأعرف أن الكلمة التي تحررني هي في الوقت نفسه قيدي، والحروف التي تجمع شتاتي هي نفسها الصوى والحدود في سديمي، فكل كلمة أيضاً تخم، ولكن كل كلمة أيضاً نصر على العدم».
وختم الكاتب "عيسى فتوح" كلامه عنه في كتابه "أدباء في الذاكرة" حين قال: «كان "شاكر مصطفى" موسوعة علمية وأدبية وتاريخية وفنية عميقة القرار، وقاموساً حياً أحاط بثقافة عصرنا الواسعة من كل جانب، وكان أبعد ما يكون عن الشهرة التي لم يسع إليها، بل هي التي سعت إليه، وكان إنساناً مترفعاً، يفرض علينا احترامه لما أوتي من مواهب، ومارس من تجارب وخبرات في الحياة التي عاشها».
وفي مقالة للدكتور "صباح قباني" نشرها في صحيفة "تشرين" تحت عنوان "شاكر مصطفى من أصدقاء العمر الجميل" كتب فيها: «حين تسمع صوته الخافت الخجول في حديث إذاعي أو محاضرة مسائية، وحين تقرأ كتبه الصغيرة المنمنمة تظن أنك أمام مختص في الفلسفة أو الأدب، ولكنك تسأل فيبتسمون ويقولون: "شاكر"؟ إنه مدرس تاريخ
مفكر عذب ورقيق يقدم لك أضخم المسائل الفكرية وأعصاها على الإفهام بلغة بسيطة حلوة رشيقة حتى لكأنها الشعر الحلال.
إنه لا يكلمك، ولكنه يهمس في سمعك همسات صغيرة متواضعة سرعان ما تكتشف أن وراءها عقلاً جباراً وثقافة أدبية وتاريخية موسوعية متألقة.
وتجدك حائرا متسائلا: "هل هذا الذي أسمع وأقرأ هو أديب أم مؤرخ"؟
بل إن "شاكر مصطفى" نفسه هو الذي يتساءل كذلك في بعض ما كتب: هل كان عملي طول حياتي في التاريخ أم في الأدب؟.
ولكنه سرعان ما يجيب ويقول: "التاريخ هو مهنتي، والأدب هو هواية عمري"
ومن هنا جاءت كتبه في التاريخ قطعاً أدبية لا أجمل ولا أعذب فإذا بالشخصيات التاريخية التي يحدثك عنها تتحول بقلمه البارع إلى شخوص روايات وملاحم يتحركون أمامك وكأنهم يتحركون على مسرح، بل إنه أعاد كتابة أجزاء من التاريخ برؤية غير التي نعرف وبذلك تغير فهمنا لأحداث ووقائع كثيرة كانت عندنا من قبل من المسلمات، فقد كتب مثلاً عن المظلومين في التاريخ ليرفع عنهم الافتراء المجحف الذي جعلهم في أعيننا إما مجانين أو بخلاء أو حمقى أو سفاحين، ولكن حين اعتمد "شاكر" النص الموثق غير صورة هؤلاء وأصبحوا بفضل قلمه المدقق والموضوعي، أهل علم وكرم وعدل وتقوى.
فمنهم كان: "الحجاج"، و"كافور"، و"قراقوش"، و"الحاكم بأمر الله" وغيرهم كثيرون كثيرون.
وتعتبر مقالته التي كانت بعنوان "هل هناك حقاً أدب مهجري؟" من أهم ما كتب في هذا السياق، فقد نسف أكذوبة هذه التسمية من جذورها بعد أن عاش في البرازيل خمس سنوات وشاهد بأم العين طبيعتها الموحشة، وغاباتها المظلمة، وأدغالها المرعبة التي تسكنها الوحوش الضواري، والأفاعي الضخمة وأسماك الأمازون المفترسة، ففي هذه الطبيعة البدائية عانى المهجريون العرب الأوائل وضاع أكثرهم في براريرها اللانهائية وأكلت صخورها المدببة من أجسادهم وهم يلهثون وراء الرغيف ولا رغيف، تفترسهم الملاريا ويفتك بهم النمل الوحشي القاتل وتغتالهم سهام هنود الغابات.
وسمع "شاكر" ممن بقي منهم ملاحم عذاباتهم وما عانوا في ذلك المصهر الاستوائي، فتذكر أنه لم يجد أثراً لكل ما رأى وسمع فيما سمي بالأدب المهجري، وكأن الأديب المهجري كتب ما كتب وكأنه لا يزال جالسا في قريته الوادعة في الوطن الأم أو يتنعم بنسائم "البردوني" في زحلة!
وهكذا فإنك عندما تقرأ التاريخ على يد "شاكر مصطفى" ستجدك دائما في حضرة الأديب المتألق».
نال الدكتور "شاكر مصطفى" الإجازة الجامعية في التاريخ من جامعة القاهرة عام 1945، وعين بعدها مدرساً في "درعا" ثم في ثانويات "دمشق"، إلى أن أصبح مديراً لمعارف "حوران"، فمديراً لدار المعلمين الابتدائية في دمشق، وفي عام 1955 أصبح أميناً عاماً لجامعة "دمشق".
أرسل عام 1956 مستشاراً ثقافياً في السفارة السورية بالقاهرة، ثم تنقل في عمله الدبلوماسي قائماً في الأعمال في "السودان" عام 1957، ووزيراً مفوضاً في "بوغوتا"- عاصمة "كولومبيا" 1958، وبين عام 1961-1963 كان قنصلاً في البرازيل، وخلال هذه الفترة أتقن اللغتين الأسبانية والبرتغالية، إضافة إلى الإنكليزية والفرنسية اللتين كان يتقنهما من قبل.
وبعد هذه الجولة عاد إلى سورية عام 1964 فأصبح مديراً عاماً للشؤون السياسية في وزارة الخارجية، فأميناً عاماً بالوكالة، إلى أن اختير عام 1965 وزيراً للإعلام وبقي فيه حتى عام 1966 التاريخ الذي أعفي به من منصبه، وسافر فيه إلى الكويت ليعمل أستاذاً للتاريخ العربي والإسلامي في جامعتها، وظل في هذا العمل خمساً وعشرين سنة مرت كأنها "حلم ليلة صيف" على حد تعبيره في إحدى لقاءاته القديمة.
وفي عام 1970 نال شهادة الدكتوراه من جامعة "جنيف" في سويسرا، بأطروحة موضوعها "مؤرخو العصر السلجوقي الأيوبي"، أصبح بعدها عميداً لكلية الآداب في جامعة "الكويت"، ثم انتدبته دولة "الكويت" ليشغل منصب الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية في "تونس" للجنة التخطيط الشامل للثقافة العربية، وبعد انتهاء مهمته أصبح مستشاراً في الديوان الأميري، بدولة الكويت.
وحين أحيل إلى التقاعد عاد إلى "دمشق"، بعدما داهمته أمراض الشيخوخة، ولكنه لم يلق القلم جانباً، ولم يستسلم إلى الراحة، وظل عاكفاً على العمل حتى وافته المنية في 31/3/1997 وهو في السادسة والسبعين من عمره.
أهم كتبه ومؤلفاته:
1- معالم الحضارات.
2- العالم الحديث.
3- حضارة الطين- دار الرواد- دمشق.
4- في ركاب الشيطان.
5- بيني وبينك.
6- محاضرات عن القصة في سورية- دراسة- القاهرة 1958.
7- الأدب في البرازيل- دراسة- الكويت 1986.
8- الأندلس في التاريخ- دراسة- دمشق 1990.
9- الشعر والناس.
10- مع التاريخ- دراسة.
11- رسائل.
12- جغرافية البلاد العربية- دراسة.
13- مع بعض الزملاء.
14- في التاريخ العباسي- دراسة- دمشق 1957.
15- ماريانا- لوركا- ترجمة- بيروت 1962.
16- العرب في التاريخ- دراسة- دمشق 1950.
المراجع
أدباء في الذاكرة دراسات أدبية 5- عيسى فتوح- طبعة أولى 2004- دار كيوان للطباعة 2004.
موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين- الجزء الرابع- الطبعة الأولى 2000- مطبعة المنارة.