صناعة مميّزة زيّنتها أنامل النسوة في ماضينا البعيد، واللواتي أبدعن في صناعتهن "للزنبيل" ليكون عتادهم وصندوقهم الذي يحملونه على رؤوسهم في بساتين التين والعنب وحفظهما فيه.

"مدوّنة وطن eSyria" وبتاريخ 12/10/2012 التقت إحدى كبيرات السن من اللواتي تحفظ ذاكرتهن الماضي البعيد للحديث عن "الزنبيل" وكيفيّة تصنيعه ومدى أهميته، وهي السيّدة "نور خالد سعيد" التي تحدثت بالقول: «قبل البدء بحديثي عن كيفية صناعته وغيرها من أمور أستطيع القول بأن تصنيعه مات بموت كبيرات السن وأقصد جدّاتنا، فليس هناك في الوقت الحاضر وحتّى في السنوات القليلة الماضية من تجيد صنع "الزنبيل"، وذلك يعود إلى أن مواد تصنيعه اندثرت منذ زمن بعيد فأصبح من الصعب على الجدّات تعليم من عاصرهن، فأنا وعلى الرغم من أنّ عمري الآن يقدّر بأكثر من تسعة وستين عاماً إلا أنني سعيدة لأنني شاركت جدتي في صنع أحد الزنابيل وهو لايزال في داري وحسب معلوماتي فإنه الوحيد في مدينة "القامشلي" وحتّى ريفها».

يعتبر من ماضينا الجميل منذ عشرات السنين، وفي حينها كان يستخدم كثيراً لمرافقة النسوة إلى البساتين ووضع الفواكه والخضراوات فيه ومنهم من كان يستخدمه لاستخدامات أخرى، حيث اعتبره البعض مادة حاضنة لشراء المواد ووضعها في "الزنبيل"، وأهم ميّزة له أنه كان يصنع بأياد محلية نسائية، ولكن في ظل التطوّر الهائل والصناعات الحديثة التي أصابت كل مفاصل الحياة جعل منه ذكرى مازالت في الأذهان وإرثاً من الماضي الثري في كل شيء

حول طرق وخطوات تصنيع "الزنبيل" تضيف بالقول: «قديماً كانت هناك أشجار للرُّمان وخاصة في بعض من قرى "القامشلي"، وكما أسلفت فإن نوعية تلك الأشجار المذكورة هي التي كانت أداة التصنيع، فبعد تقطيع أغصان تلك الأشجار بشكل مستقيم ومتساو نقوم بوضعها في كميّة مناسبة من الماء، علماً أنّ الأغصان حينها يجب أن تكون خضراء، وتبقى ضمن المياه لمدّة أسبوع كامل حتّى تتحول قساوة تلك الأغصان إلى طراوة وليونة مناسبة جدّاً للاستعمال، وبعد ذلك تقوم النسوة بلف وبرم ونسج تلك الأغصان بعضها على بعض بشكل متشابك ودائري حسب الحاجة».

قطعة نادرة في منزل السيدة نور

تضيف: «مما ذكرناه من عملية تشابك الأغصان فيه الكثير من الصعوبة وتتطلب التأني والصبر والمعرفة التامة، وبإمكان من تقوم بصنع "الزنبيل" التفنن والتألق في التصنيع بحيث تقوم باختراع تصاميم وأنواع عديدة قد تكون دائرية أو مستطيلة وقد تكون على شكل مربع، وصنع "الزنبيل" الواحد إذا كان هناك شبه تفرغ للمرأة التي تصنعه يستغرق يوماً كاملاً لشدة صعوبته وما يتطلبه من تأنّ أثناء العمل، وقد يستغرق صنع الواحد أياماً عديدة وعندما ينجز يشبه السلّة، والبعض كان يرغب في رفعه على الجدران بغاية الزينة والاستمتاع بمنظره».

حول فائدة "الزنبيل" تشير بالقول: «فائدته الأساسية والرئيسيّة كانت ترافق النسوة في سيرهن لبساتين الفواكه، وبالأخص كانت مادتي العنب والتين يوضعان فيه و"الزنبيل" كان يحافظ على جودتها ولذتها بحيث لا تتعرض للتكسير والعجن مع بعضها بعضاً، والفوهات الصغيرة والعديدة التي في أسفل "الزنبيل" كانت بمثابة المتنفس لتلك الفواكه، ومهما بقيت تلك الفواكه في "الزنبيل" فلن يصيبها أضرار أو تعفن وغير ذلك، وخلال سردي للماضي عن "الزنبيل" فإن أجمل صوره منظر النسوة في سيرهن للبستان وهن يحملن تلك السلات على رؤوسهن عند الذهاب ومع المجيء».

السيد "جوزيف أنطي" الباحث في التراث تحدث عن "الزنبيل" بالقول: «يعتبر من ماضينا الجميل منذ عشرات السنين، وفي حينها كان يستخدم كثيراً لمرافقة النسوة إلى البساتين ووضع الفواكه والخضراوات فيه ومنهم من كان يستخدمه لاستخدامات أخرى، حيث اعتبره البعض مادة حاضنة لشراء المواد ووضعها في "الزنبيل"، وأهم ميّزة له أنه كان يصنع بأياد محلية نسائية، ولكن في ظل التطوّر الهائل والصناعات الحديثة التي أصابت كل مفاصل الحياة جعل منه ذكرى مازالت في الأذهان وإرثاً من الماضي الثري في كل شيء».