قليلون هم السياسيون الذين تجتمع حولهم أطياف مختلفة من الفاعلين والناشطين في مجالات السياسة والعلم والثقافة، ومنهم المربي والبرلماني "عبدالمجيد التجار" "أبو رضا" /98/ عاماً، والذي كان أحد أبرز أعضاء مجلس الشعب خلال الدورين التشريعيين، 1973– 1977، وهو الذي شكّل علامة فارقة في خدمة الوطن والمواطن، وترك بصمته كشخصية مثابرة ومتابعة لعمله.
عُرف "أبو رضا" بهذا اللقب بين الأوساط الشعبية والسياسية في منطقة القلمون الغربي في محافظة ريف دمشق، وحظي باحترام وإعجاب واسع في أوساط الشارع السوري، لدوره في نقل هموم الناس ومعالجتها وإيجاد حلول جادة لكافة القضايا المطروحة في مجلس الشعب، وربما كان هذا سبباً مباشراً في تجديد الثقة له لدورة ثانية آنذاك.
تاريخ ومواقف
نستذكر مع البرلماني العتيق مواقف وذكريات كثيرة، ونحن نقلب ألبوم الصور التي وضعه بين أيدينا "محمد التجار" الابن الأصغر للبرلماني.
يقول البرلماني "أبو رضا" وهو من مواليد 1925، ويعد اليوم أكبر معمر برلماني وسياسي في القلمون: "تشرفت بالعمل مع رئيس مجلس الشعب آنذاك "محمد علي الحلبي" على مدى سنوات في عدة ملفات، لا أستطيع حصر المواقف التي تركت بصماتها في حياتي، والدروس التي تعلمتها خلال وجودي في تلك المؤسسة التشريعية على مدى هذه السنوات، أذكر كيف كان أعضاء مجلس الشعب يقومون بمعالجة قضايا المواطنين وحل المشاكل العالقة، وكذلك كان أعضاء لجنة الشؤون العربية والخارجية، والتي كنت أحد أعضائها، برفضهم القاطع والمطلق لجميع أشكال الاعتداء أو التدخل الأجنبي والخارجي في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر".
يتذكر البرلماني السابق كيف كانت لجنة الشؤون العربية الخارجية في مجلس الشعب السوري في ذاك الوقت وعبر الاتحاد البرلماني العربي، تؤكد أن المنطقة لن تعيش بسلام وأمن واستقرار من دون حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المسلوبة، داعية في هذا الصدد إلى بذل جميع الجهود الممكنة لتنقية الأجواء العربية وتسوية الخلافات بين الدول العربية بغية توحيد الكلمة وتعزيز أسس الأمن العربي بمجمله.
ويضيف: "لقد كانت هناك مساعٍ حثيثة لمجلس الشعب السوري في تشكيل اتحاد برلماني عربي، موازياً للاتحاد البرلماني الأوروبي، وقد هدف هذا الاتحاد البرلماني العربي إلى حشد الطاقات البرلمانية العربية لمواجهة التحديات التي تواجه أبناء الأمة العربية، وتكريس الجهود البرلمانية العربية لتعميق مفاهيم الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز التعاون البرلماني العربي باعتباره مرتكزاً جوهرياً في التضامن العربي".
البرلماني العتيق
بدوره يسلط "نذير دويدري أبو معن" عضو مجلس الشعب السابق وزميل "التجار" لدورين تشريعيين، الضوء على كثير من المواقف التي ميزت مسيرة عمل البرلماني "أبو رضا" ويقول: "عرفته على مدى دورتين متتاليتين وخلالهما ومنذ تلك المدة مروراً بكل هذه السنوات توثقت علاقتي به، وجمعتني به مواقف كثيرة تحت قبة مجلس الشعب، وفي أعمال أخرى ذات طابع اجتماعي إنساني، لقد كان حريصاً على التواصل الاجتماعي حتى خارج دائرته، فقد كان مهتماً بشؤون ناخبيه من دون ملل، حريص على المناقشة ودائماً يبحث عن حلول لمشاكل الناس، وتحت قبة المجلس كان يهتم بمراجعة التشريعات فقد كان ضميراً ناطقاً بالحق مناصراً لمطالب الشعب وقضاياهم، وهو مثال للصدق والمثابرة والعطاء من أجل الوطن، ما جعله محل تقدير ومحبة كل زملائه في المجلس".
ويشير "دويدري" إلى ما يتمتع به "أبو رضا" من ثقافة وسعة اطلاع، ويعد قامة علمية وتربوية ذا قدرة على الإقناع أسهمت في ترسيخ الوعي والمعرفة في نفوس الأجيال التي عاصرته من الشباب.
وحول التواصل معه يضيف "دويدري": "لم تنقطع زيارتنا للرجل، فبالرغم من مشقة الوصول إلى "دير عطية" في القلمون الغربي، كنا ننتهز فرصة انعقاد جلسات مجلس الشعب لتكون استراحتنا فيها ونحن في طريقنا الى العاصمة دمشق، كان مجلس "ابو رضا" دائماً عامراً بالكرام والضيوف".
الأب والمربي
لم تمنعه انشغالاته الكثيرة في خدمة الناس عن شؤون أبنائه، فقد كان بشهادتهم الأب الناجح والحنون، فضلاً عن مسيرته في القطاع التربوي، فقد كان مديراً لمدرسة دير عطية 1964- 1973.
يقول ابنه الأصغر "محمد": "كان والدي ولا يزال أباً مثالياً حنوناً، يقدس الوقت ويسعى دائماً إلى تقوية علاقته بأبنائه وخلق مساحة للتفاهم والصداقة مع بعضهم البعض، كان يجمع بين الشدة واللين وهذه التربية الصحيحة جعلت من الأجواء الاجتماعية التي كنا نعيشها داخل العائلة رائعة ولطيفة، لم يكن غريباً عن أحد بل كان قريباً من الجميع ومع الجميع".
وعن علاقته بزملائه في مجلس الشعب آنذاك يضيف "محمد": "طيلة الفترة التي قضاها في مجلس الشعب كان مخلصاً لمؤسسته البرلمانية ومتعاوناً مع أعضاء لجنته، لا يحبذ الأنانية وهمه نجاح لجنته أولاً، حريص على تطوير اللجنة الخارجية في مجلس الشعب، لم يبخل يوماً في إسداء المشورة للجميع".
تقاليد الضيافة
وبالتوازي كان بيت "عبد المجيد التجار" في دير عطية ولا يزال، مضافة مفتوحة لكل من يأتي إلى تلك البلدة الانيقة والغنية بأهلها وتاريخها العريق.
يقول "محمد سليم مليسان" (موظف متقاعد):" "أبو رضا رجل من الزمن الجميل، مضياف ذاع صيته بالكرم، له باع طويل في استقبال زواره، وما طرق بابه طارق وعاد خائباً، وما شكا إليه شاكٍ إلا حل مشكلته، فضلاً عما عرف عنه من دماثة الخلق".
كان صديقاً للجميع للكبير والصغير، وكان وفياً لأصدقائه حتى بعد رحيلهم ويتواصل مع أبنائهم، هكذا يبدأ "محمود حسن" مدير مكتب الخدمات في مجلس دير عطية، حديثه عن "التجار"، ليضيف: "هو المتميز برأيه السديد وخبرته الطويلة، ما جعله محل تقدير الكثير من زملائه أعضاء مجلس الشعب" .