لا يزال الكثير من أبناء جيل الثمانينيات يتذكر أصوات الشخصيات الكرتونية المشهورة آنذاك والتي عاشوا معها ذكريات الطفولة بكل تفاصيلها، فغدت هذه الأصوات علامة فارقة للعمل الكرتوني حينها، وهي التي تمنح العمل رونقه وتميزه عن غيره من الأعمال، لذلك ظلت أصوات تلك الشخصيات وطيلة كل هذه السنوات عالقة في الأذهان تدغدغ الذكريات كلما تناهت إلى مسامعهم.
رفيقة الأطفال
"بثينة شيّا" كانت واحدة ممن عايشوا تلك الفترة، ولعل هذا ما دفعها نحو الدوبلاج الصوتي لشخصيات الرسوم المتحركة بعد دخوله إلى سورية، فكان صوتها مرافقاً للعديد من الشخصيات الكرتونية التي لاتزال محفورة في ذاكرة الكثير من الأطفال الذين أصبحوا شباباً اليوم.
تتحدث "شيّا" في لقاء مع مدونة وطن، عن دخولها عالم الدوبلاج الصوتي واختيارها دبلجة الرسوم المتحركة: «بدأت العمل المسرحي في سنة دراستي الثالثة وانخرطت بالعمل المسرحي فقد كنت أشارك في ثلاثة أعمال مسرحية كل عام، لأعمل فيما بعد التلفاز، ولكن الزخم الإنتاجي كان قليلاً في تلك الفترة، أما عملي في الإذاعة والذي كان له الدور الأكبر في سهولة دخولي عالم الدوبلاج فقد كان مع مخرجين كبار أمثال "عمر عبد الحميد، نزار شرابة"، لأتعرف فيما بعد على فن الدوبلاج الذي دخل حديثاً إلى سورية، لأجد نفسي منغمسةً ومتفرغة للعمل به فيما بعد على حساب المسرح والإذاعة".
وفي الحديث عن تفضيلها العمل في دوبلاج الرسوم المتحركة، تضيف: «بدأت دوبلاج شخصيات الرسوم المتحركة حتى وصول دبلجة الدراما وعملت في المجالين، وعملت أكثر في الرسوم المتحركة لأني افتقدتها في طفولتي فقد كانت طفولتنا قصيرة ومحصورة ما بين المدرسة والمنزل واللعب مع أطفال الحي بألعاب بسيطة كالدحل والكرة وألعاب أخرى كنا نقوم بصناعتها بأيدينا، حتى التلفاز كان نادر التواجد لدى الناس، دوبلاج الرسوم المتحركة أيقظ داخلي الطفل الصغير الذي كان يفتقد مشاهدة التلفاز في طفولته، لذا استمتع عندما أقوم بتمثيل شخصية كرتونية واتعايش معها عند تسجيلها".
ذاكرة انفعالية
لا يمكن للممثل أن يختار الشخصية الكرتونية بل يعمل على خلقها وفق رؤيته للشخصية وتشكيلها بما يتناسب مع العمل، وعن التحضير للأعمال تقول "بثينة": "لا يمكن انتقاء شخصية في الرسوم المتحركة بل يتم عرض الشخصية عليّ فأعتبرها جزءاً مني، لأبدأ بتشكيلها حسب دورها في العمل سواء كانت كوميدية أو حزينة، شريرة أو طيبة، لذا يجب على من يعمل في الدوبلاج أن يكون ممثلاً يمتلك ذاكرة انفعالية ليستطيع أن يقوم بأداء الشخصية وفقاً لحالة المشهد من بكاء أو ضحك، فرح أو حزن، والكرتون يختلف عن الدراما بأن الممثل هو الذي يعطي الحياة للشخصية وهو الذي يعمل على تحويلها إلى شخص واقعي، حيث تكمن الصعوبة في بعض الأحيان بأنه يجب أن تعطي تعابير أكبر عن طريق الصوت لأنها هي التي تعطي الحياة للشخصية الكرتونية، في حين أنك في الدراما تقوم بتتبع حركة الممثل وتعمل على تجسيد تعابير وجهه بصوتك".
وعند سؤالها عن إمكانية تشبيه دوبلاج الرسوم المتحركة بمسرح الدمى، تشير إلى أن ثمة هناك اختلافاً كبيراً بينهما، فالدمية مصنوعة بطريقة ثابتة وواضحة من الخيطان والإسفنج لتمنحيها الصوت فقط، بينما الرسوم المتحركة ومع تطور التقنيات يتم تصمميها بطريقة وألوان جاذبة لتشعر عند التسجيل أنك تمنح حياة لشخصية متحركة خاصة، مع التأثيرات التي تظهر عليها كبرقة العين مثلاً وحركات الجسم كاملة، وبالتالي في الرسوم المتحركة أنت تمنح الحياة للشخصية فيما الدمى بالرغم من أنك تعطيها الصوت والمؤثرات إلا أنها تبقى جامدة.
شخصيات حية
حملت العديد من الشخصيات الكرتونية صوت "بثينة شيّا" ولكن يبقى هناك شخصيات لها مكانة خاصة لديها وعن هذه الشخصيات تقول: «أحب كل الشخصيات التي قمت بتمثيلها حتى لو كانت مشاهدها قليلة، لكن بعض الشخصيات كانت مميزة لدي منها شخصية "ايكوسان" لأنه أول عمل لي بدور رئيسي، كما أنني أحببت معاناته بالالتزام في المدرسة والدراسة والتي تعتبر معاناة الكثير من الأطفال، فهو طفل ألتحق بالمدرسة وهو لا يحب المدرسة والتعليم، وكان البرد مشكلته الأساسية ولكنه استطاع بذكائه أن يتغلب على هذه المشكلات التي واجهته، فقد كان شخصية معطاءة وتساعد رفاقها، وبالتالي يتعلم الطفل معنى الصداقة والتحمل والصبر واستخدام العقل بطريقة سلسة لحل الأمور والمشاكل وإضافة الطرفة للموقف المتواجد به، أما شخصية "عمر" في كرتون الكابتن ماجد تلك الشخصية التي يعتبرها الجميع بأن الواسطة لعبت دوراً ليكون ضمن الفريق كونه صديق الكابتن ماجد، فقد كانت شخصية كوميدية وظريفة وكان الحظ دائماً يقف إلى جانبه أثناء اللعب خاصة وأن الجميع أفضل منه في لعب كرة القدم، فيما كانت شخصية "آش" في كرتون "البوكيمون" ذات نمط جديد، فهي شخصية مغامرة تتعلم من تجاربها الخاصة ومن رحلته لجمع البوكيمونات، وكانت رسالة العمل للأطفال أكثر من جمع البوكيمونات، بل إظهار أهمية التصميم على الهدف والنجاح بالأعمال التي أقوم بها واحترام الآخرين والوثوق بهم، وهناك الكثير أيضاً من الشخصيات".
عمل متقن
عن العمل معها تقول الفنانة "آمال سعد الدين" والتي شاركت بالعديد من الأعمال إلى جانب "بثينة": «تعتبر "بثينة" من المؤسسين الأوائل الذين عملوا بالدوبلاج، وتتميز بأنها من الأشخاص الملتزمين جداً بالعمل والمواعيد كما أنها شخص محبّ ويعطي الشخصية حقها ببراعة وإتقان فقد قامت بأداء أصوات من الصعب أن يؤديها شخص آخر".
ويضيف "مروان فرحات" ممثل دوبلاج عن "بثينة" وعملها:"الفنانة بثينة شيا رفيقة درب عملت بجد وصدق وإحترافية في تعاملها مع كل شخصية أسندت لها ..نحن والجمهور الكريم لا ننسى أدوارها التي أبدعت فيها مثل إيكوسان وأش في البوكيمون وروجينا في هزيم الرعد .. كل المحبة والتقدير لفنانتنا القديرة لما قدمته في عالم الرسوم المتحركة والدراما"
بدورها تقول "ميرنا عجيب" صحفية: «كانت الرسوم المتحركة من الأشياء التي كانت تجذب انتباهي خاصة بحركتها وألوانها الجاذبة، أما أصواتها كان باعتقادي أن هناك أطفال يقومون بأداء الحديث حتى أنني كنت أتمنى أن أكون مكانهم، فقد كان الممثل يقدم أداءً ويتعايش مع الشخصية للحدّ الذي تعتقد أن طفلاً يقوم بالأداء، واكتشفت لاحقاً أن من يقوم بالتمثيل هم ممثلون كبار وليسوا أطفالاً، وأن عمل الدوبلاج من الأعمال التي تحتاج إلى موهبة كبيرة لتتمكن من التعايش مع حالة الشخصية التي يقوم الممثل بأدائها".
يذكر أن "بثينة شيا" شاركت أيضاً في دبلجة العديد من الشخصيات الدرامية الهندية والتركية، إضافة إلى المشاركة بالعديد من العروض المسرحية، فقد قامت بإخراج مسرحيتين للأطفال إحداها تم عرضها على المسرح القومي في دمشق عام 2017 والأخرى على المسرح القومي في السويداء عام 2020، وعملت أيضاً العديد من مسرحيات الأطفال.