كانت سورية ومنذ عقود، عرّابة الجاليات العربية في الغرب، حمل أبناؤها أمانة الانتماء وأثبتوا للعالم أجمع أنهم جسر عبور إلى وطنهم الأم الفعل لا بالقول.
والجالية السورية في "السويد" هي من أكبر الجاليات الموجودة في هذا البلد. فقد بدأت هجرةُ "السوريين" إلى "السويد" في سبعينيات القرن الماضي، وارتفعت النسبة بين عامي 1980- 1995 وتضاعف العدد بعد الحرب على سورية، ليتجاوز عددهم اليوم النصف مليون سوري.
تاريخٌ وتأسيس
يشير "صبري أيوب" رئيس رابطة المغتربين السوريين في السويد في حوار خاص لمدوّنة وطن esyria إلى أنه مع ارتفاع عدد المهاجرين السوريين في "السويد" تم تأسيس الرابطة التي هي بمنزلة بيت يجمع هذه العائلة الكبيرة، حيث قامت مجموعة من الوطنيين السوريين عام 1989 بتنسيق لقاءات لدراسة فكرة تأسيس جمعية تجمع السوريين، وبالفعل تم هذا المشروع ليصبح اسم الرابطة "رابطة المغتربين السوريين في السويد" بالتنسيق مع السفارة السورية في "ألمانيا"، لعدم وجود سفارة لنا في "السويد" آنذاك، وتمت دعوة السفير السوري في "ألمانيا" والدول الإسكندنافية المتمثلة بالسيد "سليمان حداد" عرّاب روابط السوريين في أوروبا الغربية، وتم تشكيل لجنة تأسيسية مؤلفة من السادة: "أدمون شماس" رئيس الرابطة عام 1990، و"صبري أيوب" رئيس الرابطة حالياً، و"طلال إمام"، بالإضافة إلى "جاك دوم، أحمد الأحمد، وتحسين الفقير"، فقامت اللجنة بالتحضير لمؤتمر تأسيسي في العاصمة "استوكهولم"، وتأسيس فروع للرابطة في عدة مدن سويدية.
رحلةُ الجذور
ويلفت أيوب إلى نشاط الرابطة الحافل، حيث نُسقت أول رحلة إلى الوطن عام 1991، سميت برحلة " الجذور"، وفي عام 1996 تمت دعوة فرقة "تشرين" إلى "السويد" بقيادة الفنان "دريد لحام"، إضافة إلى الاحتفال السنوي بمناسبة عيد الجلاء، لترسيخ مفهوم الهوية الوطنية في أذهان المغتربين وخاصة الجيل الجديد منهم .
من النشاطات الفاعلة أيضاً - حسب ما يقول "أيوب" - إحياء مهرجان وطني كبير عام 2010 وحضور الفنانين "أسعد فضة ومنى واصف" والإعلامية "رائدة وقاف"، بالتنسيق مع القائم بالأعمال في "استكهولم"، مبيناً دور الرابطة في إرسال أول وفد "سوري" من المغتربات إلى "دمشق" عام 2012 للتضامن مع الوطن الأم، وتلاه وفد آخر عامي 2014 و2015 التقى خلالهما بكبار المسؤولين السوريين للتأكيد على دعم الرابطة للوطن الأم في جميع المجالات .
ويقول أيوب: "قوة ونشاط الرابطة أتاحا لها تشكيل وفد عالمي وعربي عام 2016 شمل الدول التالية: "السويد، فرنسا، بولونيا، أمريكا وفنزويلا" بالإضافة إلى "الكويت ولبنان"، وخلال ظروف أمنية صعبة سافر الوفد واجتمع آنذاك بالأحزاب الوطنية "اللبنانية"، ثم توجه إلى "دمشق والسويداء" برفقة عدد من الصحفيين السويديين والبولونيين الذين نجوا من محاولة اعتداء من قبل مجموعات مسلحة".
حواراتٌ وزيارات
ويبيّن "أيوب" مساهمة الرابطة في الحوار "السوري السوري" في مؤتمر "سوتشي" حيث مثّل الرابطة بشخصه، وفي عام 2019 قامت الرابطة بزيارة البرلمان السويدي الذي استلم رسالة تشرح ماهية الوضع السوري، ووجهت الرابطة آنذاك رسالة مفتوحة للسيد رئيس الوزراء السويدي "ستيفان لوفين" للمطالبة بالعودة إلى سياسة " اولف بالمي" وهو رئيس الوزراء السويدي لعام 1986 الذي اغتيل نتيجة مواقفه المؤيدة لحق الشعوب، والدفاع عن الدول المغلوب على أمرها .
ويضيف "أيوب": "في الأمس واليوم عملنا بتفانٍ لخدمة وطننا الأم، الذي نحمل محبته في جيناتنا السورية وسنعمل دوماً كخلية النحل لخدمة الوطن، حيث قامت الرابطة بدعوة بعض الأحزاب السويدية كالحزب الاشتراكي الحاكم في "السويد"، حزب اليسار، الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الشيوعي، واستضافت نشاطاً ثقافياً للكاتب "باتريك بولو" الذي اعتُبر كتابه أول كتاب يطبع باللغة السويدية تناول فيه محاولة إسكات صوت السوريين، وتحدث بجدية عن الحرب على سورية.. وهناك الكثير من الوقفات الوطنية للرابطة التي تحتك بشكل مباشر مع المجتمع السويدي الذي بات يعرف أن ما يبثه الإعلام العالمي حول القضية السورية هو ممنهج ومفبرك" .
ويشير أيوب إلى أنه وفي كل زيارة للوطن، يزور وفدُ الرابطة جرحى الجيش ويقدم لهم الدعم، كما زار الوفد أيضاً مراكز إيواء اللاجئين وتبرع لهم عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية، ناهيك بتبرعهم بالدم للجرحى، بالإضافة إلى إرسال كميات كبيرة من المواد العينية.
أنشطةٌ ثقافيّة
في السياق نفسه يشير "ابراهيم جرجس" المسؤول الثقافي في رابطة المغتربين السوريين في "السويد"، إلى الرسالة المهمة للدور الثقافي في غرس الروح السورية للجالية في مجتمع الغرب، ويقول في حديثه للمدوّنة : "منذ استلامي الشأن الثقافي قمت بتنظيم مكتبة الرابطة، ونسقت ندوات عدة، قرأت فيها ما دونته من قصص عن الهجرة، ومحاضرة أخرى عن الشاعر "سليمان العيسى"، وأخرى لمحاولة إحياء الشعر الشعبي الذي يحاكي الوجدان السوري، كما قمت بعدة محاضرات علمية، فنية، ثقافية ورياضية، بالإضافة إلى تنظيم مهرجان عيد الجلاء وعيد السيدة العذراء وغيرها".
وحول محاكاة الجيل الجديد في الجالية، يقول: "غايتنا هي غرس الروح السورية بشكل عام وعند الشباب خاصة، فهناك تنسيق مع الكشاف السوري في المدينة، ومع الفريق الرياضي السوري.
ويشير "جرجس" إلى بعض المشاكل التي تعترض أبناء الرابطة، فقد كان للحرب تأثيرٌ سلبيٌّ في التواصل المباشر بين الجالية والوطن الأم، بالإضافة لتغيير البيئة وعدم الانسجام من قبل البعض مع القوانين، مع الإشارة إلى أنّ ظروف الهجرة بعد 2018 ارتبطت بقرارات جديدة حدّت من إعطاء إقامات دائمة، ليقلّ عدد الوافدين مؤخراً إلى "السويد" .
ويشير إلى النسبة القليلة المهتمة بالشأن السياسي داخل الأحزاب السويدية، وهذه تعد نقطة ضعف، ولكن بالمقابل تربط الرابطة علاقات جيدة مع مجمل الأحزاب السويدية.
وكمغترب يحمل بيئته في قلبه يقول "جرجس": أنا من "مشتى الحلو" صاحبة التاريخ الثقافي والنضالي القديم، هذه البلدة بمنزلة الحبل السري الذي يربطني بوطني، معظمنا هاجر لأسباب قسرية، لكن يبقى الحنين هو سيد الموقف دوماً، وما الغربة سوى دافع أكبر يجدد في داخلنا هذا الانتماء".