بعد مسيرة حافلة بالتميز، استحق الموسيقي السوري "نهيل سلوم" جامعة الروح القدس- الكسليك، التكريم، حيث نال جائزة أفضل أطروحة دكتوراه على مستوى العالم عن الموسيقا العربية، والتي أعلن عنها المجمع العربي للموسيقا التابع لجامعة الدول العربية في نهاية شهر آذار من عام 2022، عن بحثه "تعدّد التصويت في الموسيقا العربية في المقامات غير المعدّلة منذ بداية القرن العشرين- لبنان أنموذجاً".
مسيرة مهنية
"نهيل سلوم"، ابن قرية عيون الوادي- مشتى الحلو مواليد 1986، حائز دكتوراه في العلوم الموسيقية، وهو أستاذ في تقنية الصوت والغناء العربي والعود، حصل على جائزة الشباب العشر الأكثر تميزاً حول العالم على مستوى سورية عن فئة التحصيل العلمي والإنجاز الثقافي عام 2022، وهو عضو في الجمعية الدولية لعلماء الموسيقا، وعضو منتسب في المجمع العربي للموسيقا التابع لجامعة الدول العربية. بدأ "سلوم" مسيرته المهنية عام 2004 وقدم عدة عروض مع فرق موسيقية وأوركسترات في مهرجانات دولية، وعمل استاذاً في كلية التربية الموسيقية في جامعة البعث، ويعمل حالياً أستاذاً مساعداً في قسم الموسيقا والعلوم الموسيقية في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس في سلطنة عُمان، كما ألّف العديد من الدراسات والأبحاث العلمية التربوية المتنوعة، التي ركزت على الموسيقا العربية وتطورها، وعلى تقنية الصوت والغناء العربي، وخاصة آلة العود، وكذلك في المسرح الغنائي العربي، والموسيقا التراثية .
مدرسة العزف السورية
يشير "سلوم" في حديثه للمدونة إلى الدراسات والأبحاث العلمية التي أكدت وجود مدارس متنوعة للعزف على آلة العود، ومن المؤسف أن المدرسة السورية مغيبة عن تلك الدراسات، لغياب الدراسات العلمية الجادة حول تطور الآلة واستخدامها في سورية، وحول الطرق والمناهج المتبعة من عازف العود السوري وأسلوبه المتفرد، وتجاهل الباحثين والمهتمين لدورها في إظهار الأسس الفنية والتقنية لآلة العود، وتحديد أسلوب عازف عود المدرسة السورية، ما أدّى إلى عدم وضوح في هيكلية المدرسة السورية في العزف.
ويضيف: "لعل هذا ما دفعني إلى القيام بدراسة علمية وعملية، جمعت معلومات عن أشهر العازفين والمؤلفين لآلة العود في سورية منذ بداية القرن التاسع عشر، ودورهم في تطوير هذه الآلة واستخدامها، ومن خلال الدراسة والتحليل توصلت إلى إبراز الأسس الفنية والتقنية لآلة العود، وتحديد أسلوب عازف عود المدرسة السورية، بعد تحليل أعمال بعض العازفين والمؤلفين، وتحديد أسلوب العزف والتأليف لديهم" .
المقامات الموسيقية
ويرى "سلوم" أن الموسيقا العربية عريقة وقائمة، إلا أنه هناك تجارب لإدخال عنصر الحداثة إليها وهذا الأمر حساس جداً، يجب أن يتم بحذر ودراسة دقيقة للحفاظ على التوازن بين الأصالة والتجديد.
ويبين أن المقامات غير المعدلة، هي تأكيد مباشر على أهمية الحفاظ على عنصر الأصالة في الموسيقا العربية، من خلال استخدام تلك المقامات في صناعة الموسيقا العربية لحناً وتوزيعاً، في عالم الموسيقا الإلكترونية والأورغ الكهربائي والبرامج الموسيقية المتطورة، فتثبيت الدرجات المتحركة في تلك المقامات تفقد الموسيقا العربية خصائص ومميزات فريدة، ويجب أن يرتكز التجديد الموسيقي على أساس علمي رياضي وفيزيائي، يشمل الناحية الفنية والجمالية، وتم نشر آخر دراسة لي في المجلة الأردنية للفنون– جامعة اليرموك، بعنوان "القدود الحلبية على لائحة التراث الثقافي اللامادي، دراسة تاريخية وتحليلية"، وستنشر دراسته قريباً في كتاب سيصدر بالتعاون ما بين المجمع العربي للموسيقا التابع لجامعة الدول العربية ووزارة الثقافة والشباب والرياضة في سلطنة عُمان، حول التراث الموسيقي الشعبي ما بين التقليد والتجديد، بالإضافة إلى متابعة بعض الأبحاث المتعلقة في التوزيع الموسيقي في الموسيقا العربية، التي ستنشر في أوروبا.
وحسب "سلوم" يتحمّل المتخصّصون في المجال الموسيقي مسؤولية كبيرة، تُعنى باستخدام التقدّم التكنولوجي وتطويعه حتى يواكب الحداثة، محافظاً بذلك على القيم الفنية والجمالية، لأننا بحاجة إلى دراسات وأبحاث نقدية تقدّم قراءات عامّة من منظور علمي مختلف تذكّرنا بالأسس الفنية والموسيقية والثقافية والحضارية، وتساهم في تثقيف المتلقي وتوجيه ذائقته الموسيقية.
ويعرب "سلوم" عن أمله بأن تساهم جميع المؤسسات الثقافية من مدارس ومعاهد وجامعات في نشر الثقافة الموسيقية الأصيلة من خلال طرح برامج تثقيفية وعقد مؤتمرات، وإحياء التراث ضمن مناهج علمية تدرّس للأجيال وتنشره بكل فخر.
ويشير إلى بعض التحديات التي واجهته في إعداد الأطروحة، تكمن في قلة المراجع والأبحاث العلمية والأكاديمية التي تتكلم عن تعدد التصويت في المقامات غير المعدلة، والتوزيع الموسيقي في الموسيقا العربية بشكل عام.
بصمة إبداعية
الموسيقي الأكاديمي "راسل حنا"- 1965 وهو من قرية "الجويخات" التي تتبع لمحافظة حمص، وقائد فرقة موسيقية منذ 25 عاماً، رافق فيها معظم نجوم الغناء، يرى أن للدكتور "سلوم" بصمة إبداعية خلاّقة في الفضاء الموسيقي الواسع، استطاع من خلال دراساته المكثفة أن يؤلف نوتاته الخاصة، ويساهم في إضافة بصمة متفردة للتقنيات الجديدة في توزيع الموسيقا، خاصة في استخدام المقامات وتفصيلها، وبرأي "حنا" ففي لبنان، هناك الموسيقي "شربل روحانا" الذي كان خلاّقاً في إضافاته المبتكرة على النوتة الموسيقية وفي العراق هناك مدارس لآلة العود، مثل "نصير شمه" وغيره من الكبار، لذلك يسعى "سلوم" إلى إيجاد مدرسة أكاديمية للعزف على آلة العود في سورية.
نحو عود سوري
بدوره يعبر عازف العود السوري "أنور نعمة" عن أسفه لعدم وجود مدرسة لآلة العود بهوية سورية، خاصة وأنها من أهم الآلات الموسيقية الوترية، ناهيك عن إدراجها من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) على قائمة التراث الثقافي غير المادي عام 2022، وكموسيقي يرى أن للسوريين وفاءً كبيراً لآلة العود، ترافقهم أينما ذهبوا، عزفاً وتعلّماً، حتى في ظروف اللجوء والاغتراب.
ويؤكد أهمية الجهود التي يبذلها "سلوم" لأجل هذه الغاية والتي يجب أن تلقَ الدعم الكامل من جميع الهيئات نظراً لمدى أهمية هذه الرسالة تجاه الفن والتراث السوري العريق.
ويضيف الأكاديمي "راسل حنا": "أشجع محاولات "سلوم" في مزج موسيقا الشرق مع عالم الغرب، لإيصال موسيقانا للعالمية، وهناك نماذج في بلداننا العربية قدمت نماذج مماثلة، منهم الرحابنة الذين درسوا الموسيقا الغربية، وجيّشوا موهبتهم في هذا الدمج الساحر، وأصبحت مدرسة الرحابنة مرجعاً في هذا المجال.. نتمنى لابن سورية وابن عيون الوادي نجاح تجاربه وإيجاد أصوات قادرة على تنفيذ أفكاره الإبداعية، حيث لا حدود للإبداع وله الشكر الكبير".